للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

محنة وكيع -وهي غريبة- تورط فيها، ولم يرد إلا خيرًا، ولكن فاتته سكتة، وقد قال النبي : "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع، فليتق عبد ربه، ولا يخافن إلا ذنبه".

قال علي بن خَشْرَم: حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهي: أن أبا بكر الصديق جاء إلى النبي بعد وفاته، فأكب عليه، فقبله، وقال: بأبي وأمي، ما أطيب حياتك وميتتك. ثم قال البهي: وكان تُرِكَ يومًا وليلة، حتى ربا بطنه، وانثنت خنصراه. قال ابن خشرم: فلما حدث وكيع بهذا بمكة، اجتمعت قريش، وأرادوا صلب وكيع، ونصبوا خشبة لصلبه، فجاء سفيان بن عيينه، فقال لهم: الله الله، هذا فقيه أهل العراق، وابن فقيهه، وهذا حديث معروف. قال سفيان: ولم أكن سمعته، إلا أني أردت تخليص وكيع.

قال علي بن خشرم: سمعت الحديث من وكيع بعدما أرادوا صلبه، فتعجبت من جسارته. وأخبرت أن وكيعًا احتج، فقال: إن عدة من أصحاب رسول الله منهم عمر، قالوا: لم يمت رسول الله، فأراد الله أن يريهم آية الموت.

رواها أحمد بن محمد بن علي بن رزين الباشاني، قال: حدثنا علي ابن خشرم. وروى الحديث عن وكيع: قتيبة بن سعيد.

فهذه زلة عالم، فما لوكيع، ولرواية هذا الخبر المنكر، المنقطع الإسناد! كادت نفسه أن تذهب غلطًا، والقائمون عليه معذورون، بل مأجورون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود، غضًّا ما لمنصب النبوة، وهو في بادئ الرأي يوهم ذلك، ولكن إذا تأملته، فلا بأس -إن شاء الله- بذلك، فإن الحي قد يربو جوفه، وتسترخي مفاصله، وذلك تفرع من الأمراض "وأشد الناس بلاء الأنبياء". وإنما المحذور أن تجوز عليه تغير سائر موتى الآدميين ورائحتهم، وأكل الأرض لأجسادهم، والنبي فمفارق لسائر أمته في ذلك، فلا يبلى، ولا تأكل الأرض جسده، ولا يتغير ريحه، بل هو الآن -وما زال- أطيب ريحًا من المسك، وهو حي في لحده، حياة مثله في البرزخ التي هي أكمل من حياة سائر النبيين، وحياتهم بلا ريب أتم وأشرف من حياة الشهداء الذين هم بنص الكتاب: ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩]، وهؤلاء حياتهم الآن التي في عالم البرزخ حق، ولكن ليست هي حياة الدنيا من كل وجه، ولا حياة أهل الجنة من كل وجه، ولهم شبه بحياة أهل الكهف. ومن ذلك اجتماع آدم وموسى لما احتج عليه موسى، وحجه آدم بالعلم السابق، كان اجتماعهما حقًا، وهما في عالم البرزخ، وكذلك نبينا أخبر أنه رأى في السماوات آدم، وموسى،

<<  <  ج: ص:  >  >>