للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإبراهيم، وإدريس، وعيسى، وسلم عليهم، وطالت محاورته مع موسى، هذا كله حق، والذي منهم لم يذق الموت بعد، هو عيسى فقد تبرهن لك أن نبينا ما زال طيبًا مطيبًا، وأن الأرض محرم عليها أكل أجساد الأنبياء، وهذا شيء سبيله التوقيف، وما عنف النبي الصحابة لما قالوا له بلا علم: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت?! يعني: قد بليت. فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

وهذا بحث معترض في الاعتذار عن إمام من أئمة المسلمين، وقد قام في الدفع عنه مثل إمام الحجاز؛ سفيان بن عيينة، ولولا أن هذه الواقعة في عدة كتب، وفي مثل "تاريخ الحافظ ابن عساكر"، وفي "كامل الحافظ ابن عدي"، لأعرضت عنها جملة، ففيها عبرة. حتى قال الحافظ يعقوب الفسوي في "تاريخه": وفي هذه السنة حدث وكيع بمكة، عن ابن أبي خالد، عن البهي … ، فذكر الحديث. ثم قال: فرفع ذلك إلى العثماني، فحبسه، وعزم على قتله، ونصبت خشبة خارج الحرم، وبلغ وكيعًا، وهو محبوس. قال الحارث بن صديق: فدخلت عليه لما بلغني، وقد سبق إليه الخبر. قال: وكان بينه وبين ابن عيينه يومئذ متباعد، فقال لي: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل، واحتجنا إليه. فقلت: دع هذا عنك، فإن لم يدركك، قتلت. فأرسل إلى سفيان، وفزع إليه، فدخل سفيان على العثماني -يعني: متولي مكة- فكلمه فيه، والعثماني يأبى عليه. فقال له سفيان: إني لك ناصح، هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، وولده بباب أمير المؤمنين، فشخص لمناظرتهم. قال: فعمل فيه كلام سفيان، فأمر بإطلاقه. فرجعت إلى وكيع، فأخبرته، فركب حمارًا، وحملنا متاعه، وسافر، فدخلت على العثماني من الغد، فقلت: الحمد لله الذي لم تبتل بهذا الرجل، وسلمك الله. قال: يا حارث، ما ندمت على شيء ندامتي على تخليته، خطر ببالي هذه الليلة حديث جابر بن عبد الله، قال: حولت أبي والشهداء بعد أربعين سنة، فوجدناهم رطابًا يثنون، لم يتغير منهم شيء. ثم قال الفسوي: فسمعت سعيد بن منصور يقول: كنا بالمدينة، فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذي كان من وكيع، وقالوا: إذا قدم عليكم، فلا تتكلوا على الوالي، وارجموه حتى تقتلوه. قال: فعرضوا علي ذلك، وبلغنا الذي هم عليه، فبعثنا بريدًا إلى وكيع أن لا يأتي المدينة، ويمضي من طريق الربذة، وكان قد جاوز مفرق الطريقتين، فلما أتاه البريد، رد، ومضى إلى الكوفة.

ونقل الحافظ ابن عدي في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أنه هو الذي أفتى بمكة بقتل وكيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>