سبحان الله! أي شيء هذا? فقال: لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة. فخرجا بعدما صلى، فبعث بهما إلى مسجد خارج من الدرب.
قلت: هكذا كان السلف في الحرص على الخير.
قال رسته: وكان عبد الرحمن يحج كل عام، فمات أخوه، وأوصى إليه، فأقام على أيتامه، فسمعته يقول: قد ابتليت بهؤلاء الأيتام، فاستقرضت من يحيى بن سعيد أربعمائة دينار احتجت إليها في مصلحة أرضهم.
ذكر أبو نُعَيم الحافظ لابن مهدي في "الحلية" ترجمة طويلة جدًا، فروى فيها من حديثه مائتين وثمانين حديثًا، وقد لحق صغار التابعين: كأيمن بن نابل، وصالح بن درهم، ويزيد بن أبي صالح، وجرير بن حازم. وكان قد ارتحل في آخر عمره من البصرة، فحدث بأصبهان.
قال بُنْدار: سمعت عبد الرحمن يقول: ما نعرف كتابًا في الإسلام بعد كتاب الله أصح من "موطأ مالك".
وقال رُسْتَه: سمعت عبد الرحمن يقول: أئمة الناس في زمانهم: سفيان بالكوفة، وحماد بن زيد بالبصرة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام.
أبو حاتم بن حِبَّان: حدثنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا عمرو بن علي، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: حدثنا أبو خلدة، فقال له رجل: أكان ثقة? فقال: كان صدوقًا، وكان خيارًا، وكان مأمونًا، الثقة سفيان وشعبة.
ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، سمعت ابن مهدي يقول: لزمت مالكًا حتى ملني. فقلت يومًا: قد غبت عن أهلي هذه الغيبة الطويلة، ولا أعلم ما حدث بهم بعدي. قال: يا بني، وأنا بالقرب من أهلي، ولا أدري ما حدث بهم منذ خرجت.
قال ابن حبان في صدر كتابه في "الضعفاء": إلا أن من أكثرهم تنقيرًا عن شأن المحدثين، وأتركهم للضعفاء والمتروكين، حتى يجعله لهذا الشأن صناعة لهم لم يتعدوها -مع لزوم الدين والورع الشديد، والتفقه في السنن- رجلين: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي.
قال سهل بن صالح: سمعت يزيد بن هارون يقول: وقعت بين أسدين: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان.
قلت: توفي ابن مهدي بالبصرة، في جمادى الآخرة، سنة ثمان وتسعين ومائة.