قال: جزاك الله بالحسنى ثم قال العبد: فأشهد الله وأشهدك أن هذه الضيعة وقف مني على الفقراء. فرجع وهو يقول: العبد أكرم منا.
قال سليمان بن إسحاق الجلاب: سمعت الحربي يقول: الأبواب تبنى على أربع طبقات: طبقة المسند وطبقة الصحابة وطبقة التابعين فيقدم كبارهم كعلقمة والأسود وبعدهم من هو أصغر منهم وبعدهم تابع التابعين مثل سفيان ومالك والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن وابن أبي ليلى وابن شبرمة والأوزاعي.
وروي عن إبراهيم الحربي قال: الناس على أربع طبقات: مليح يتملح ومليح يتبغض وبغيض يتملح وبغيض يتبغض فالأول: هو المنى الثاني: يحتمل وأما بغيض يتملح فإني أرحمه وأما البغيض الذي يتبغض فأفر منه.
قال ابن بشكوال في أخبار إبراهيم الحربي: نقلت من كتاب ابن عتاب: كان إبراهيم الحربي رجلاً صالحاً من أهل العلم بلغه أن قوماً من الذين كانوا يجالسونه يفضلونه على أحمد بن حنبل فوقفهم على ذلك فأقروا به فقال: ظلمتموني بتفضيلكم لي على رجل لا أشبهه ولا ألحق به في حال من أحواله فأقسم بالله لا أسمعكم شيئاً من العلم أبدا فلا تأتوني بعد يومكم. مات الحربي ببغداد فدفن في داره يوم الاثنين لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومئتين في أيام المعتضد.
قال المسعودي: كانت وفاة الحربي المحدث الفقيه في الجانب الغربي وله نيف وثمانون سنة وكان صدوقاً عالماً فصيحاً جواداً عفيفاً زاهداً عابداً ناسكاً وكان مع ذلك ضاحك السن ظريف الطبع ولم يكن معه تكبر ولا تجبر وربما مزح مع أصدقائه بما يستحسن منه ويستقبح من غيره وكان شيخ البغداديين في وقته وظريفهم وزاهدهم وناسكهم ومسندهم في الحديث وكان يتفقه لأهل العراق وكان له مجلس في المسجد الجامع الغربي يوم الجمعة فأخبرني إبراهيم بن جابر قال: كنت أجلس في حلقة إبراهيم الحربي وكان يجلس إلينا غلامان في نهاية الحسن والجمال من الصورة والبزة وكأنهما روح في جسد إن قاما قاما معاً وإن حضرا فكذلك فلما كان في بعض الجمع حضر أحدهما وقد بان الأصفرار بوجهه والانكسار في عينيه فلما كانت الجمعة الثانية حضر الغائب ولم يحضر الذي جاء في الجمعة الاولى منهما وإذ الصفرة والانكسار بين في لونه وقلت: إن ذلك للفراق الواقع بينهما وذلك للألفة الجامعة لهما فلم يزالا