يتسابقان في كل جمعة إلى الحلقة فأيهما سبق صاحبه إلى الحلقة لم يجلس الآخر فلما كان في بعض الجمع حضر أحدهما فجلس إلينا ثم جاء الآخر فأشرف على الحلقة فوجد صاحبة قد سبق وإذا المسبوق قد أخذته العبرة فتبينت ذلك منه في دائرة عينيه وإذا في يسراه رقاع صغار مكتوبة فقبض بيمينه رقعة منها وحذف بها في وسط الحلقة وانساب بين الناس مستخفياً وأنا أرمقه وكان ثم أبو عبيدة بن حربويه فنشر الرقعة وقرأها وفيها دعاء أن يدعو لصاحبها مريضاً كان أو غير ذلك ويؤمن على الدعاء من حضر فقال الشيخ: اللهم اجمع بينهما وألف قلوبهما واجعل ذلك فيما يقرب منك ويزلف لديك وأمنوا على دعائه ثم طوى الرقعة وحذفني بها فتأملت ما فيها فإذا فيها مكتوب:
عفا الله عن عبد أعان بدعوة … لخلين كانا دائمين على الود
إلى أن وشى واشي الهوى بنميمة … إلى ذاك من هذا فحالا عن العهد
فلما كان في الجمعة الثانية حضرا جميعاً وإذا الاصفرار والانكسار قد زال فقلت لابن حربويه: إني أرى الدعوة قد أجيبت وأن دعاء الشيخ كان على التمام فلما كان في تلك السنة كنت فيمن حج فكأني أنظر إلى الغلامين محرمين بين منى وعرفة فلم أزل أراهما متآلفين إلى أن تكهلا.
قال القفطي في تاريخ النحاة له: كان إبراهيم الحربي رأساً في الزهد عارفاً بالمذاهب بصيراً بالحدث حافظاً له له في اللغة كتاب: غريب الحديث وهو من أنفس الكتب وأكبرها في هذا النوع. أبو الحسن بن جهضم واه: حدثنا جعفر الخلدي حدثنا أحمد ابن عبد الله بن ماهان: سمعت إبراهيم بن إسحاق يقول: اجمع عقلاء كل ملة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه.
وكان يقول: قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط وفرد عقبي صحيح والآخر مقطوع ولا أحدث نفسي أني أصلحهما ولا شكوت إلى أهلي وأقاربي حمى أجدها لا يغم الرجل نفسه وعياله ولي عشر سنين أبصر بفرد عين ما أخبرت به أحداً وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين إن جاءتني بهما أمي أو أختي وإلا بقيت جائعاً إلى الليلة الثانية وأفنيت ثلاثين سنة برغيف في اليوم والليلة إن جاءتني امرأتي أو بناتي به وإلا بقيت جائعاً والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة وقام إفطاري في رمضان هذا بدرهم ودانقين ونصف.