ولما أمر بحريق مصر، واستباحها، بعث خادمه ليشاهد الحال. فلما رجع قال: كيف رأيت؟ قال: لو استباحها طاغية الروم ما زاد على ما رأيت، فضرب عنقه.
وفي سنة اثنتين وأربع مائة كتب ببغداد محضر يتضمن القدح في أنساب أصحاب مصر وعقائدهم وأنهم أدعياء. وأن انتماءهم إلى الإمام علي باطل وزور، وأن الناجم بمصر اليوم وسلفه كفار وفساق زنادقة، وأنهم لمذهب الثنوية معتقدون، عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، وادعو الربوبية، فكتب خلق في المحضر منهم الشريف الرضي، وأخوه المرتضى، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والشيخ أبو حامد الإسفراييني، وأبو محمد الكشفلي الفقيه، والقدوري، والصيمري، وعدة.
وهرب من مصر ناظر الديوان الوزير أبو القاسم بن المغربي إذ قتل الحاكم أباه وعمه وصار إلبًا عليه يسعى في زوال ملكه، وحسن لمفرج الطائي أمير العرب الخروج على الحاكم. ففعل وقتل قائد جيشه، وعزموا على مبايعة صاحب مكة العلوي، وكاد أن يتم ذلك ثم تلاشى.
وفي سنة ثلاث وأربع مائة: أخذ الوفد العراقي، وغورت المياه، وهلك بضعة عشر ألف مسلم. ثم أخذ من العرب ببعض الثأر، وقتل عدة.
وبعث الملك محمود بن سبكتكين كتابًا إلى الخليفة بأنه ورد إليه من الحاكم كتاب يدعوه فيه إلى بيعته، وقد خرق الكتاب، وبصق عليه.
وفي سنة أربع جعل الحاكم ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس، وصلحت سيرته، وأعتق أكثر مماليكه.
وفي هذا القرب تمت ملحمة عظيمة بين ملك الترك طغان بالمسلمين، وبين عساكر الصين، فدامت الحرب أيامًا، وقتل من كفار الصين نحو من مائة ألف.
وفي سنة خمس ظفر الحاكم بنساء على فساد، فغرقهن، وكانت الغاسلة لا تخرج إلى امرأة إلَّا مع عدلين. ومر القاضي مالك بن سعيد الفارقي، فنادته صبية من روزنة: أقسمت عليك بالحاكم أن تقف، فوقف فبكت، وقالت: لي أخ يموت، فبالله إلَّا ما حملتني إليه لأراه، فرق، وبعث معها عدلين، فأتت بيتا، فدخلت، والبيت لعاشقها. فجاء الزوج فسأل الجيران، فحدثوه، فجاء إلى القاضي، وصاح، وقال: لا أخ لها، وما أفارقك حتى تردها إلي، فحار القاضي، وطلع بالرجل إلى الحاكم، ونادى العفو فأمره أن يركب مع الشاهدين، فوجدوا المرأة والشاب في إزار واحد على خمار فحملا على هيئتهما. فسألها الحاكم فأحالت