الناصر الذي بنى بجاية. وانهزم الناصر، وقتل من البربر أربعة وعشرون ألفًا. وفيها: بنيت بجاية وببغداد النظامية.
وفي سنة إحدى وستين: كان حريق جامع دمشق، ودثرت محاسنه، واحترقت الخضراء معه -وكانت دار الملك- من حرب وقع بين عسكر العراق، وعسكر مصر.
وفي سنة اثنين وستين، قطعت من مكة الدعوة المستنصرية، وخطب للقائم بأمر الله، وترك الأذان بحي على خير العمل، وذلك لذلة المصريين بالقحط الأكبر وفنائهم، وأكل بعضهم بعضا، وتمزقوا في البلاد من الجوع، وتمحقت خزائن المستنصر، وافتقر، وتعثر.
وفي هذه النوبة نقل صاحب "المرآة"، أن امرأة خرجت وبيدها مد لؤلؤ لتشتري به مد قمح، فلم يلتفت إليها أحد، فرمته فما كان له من يلتقطه. فكاد الخراب أن يستولي على سائر الأقاليم، حتى لأبيع الكلب بستة دنانير والقط بثلاثة دنانير، حتى أبيع الإردب بمائة دينار.
وفي سنة ٦٣: هزم السلطان ألب أرسلان طاغية الروم وأسره، وقتل من العدو ستون ألفًا.
وأقبل أتسز الخوارزمي، أحد أمراء ألب أرسلان، فاستولى على الشام إلَّا قليلًا، وعسف وتمرد وعتا.
واشتغل جيش مصر بنفوسهم. ثم اختلفوا، واقتتلوا مدة، وصاروا فرقتين، فرقة العبيد وعرب الصعيد، وفرقة الترك والمغاربة، ورأسهم ابن حمدان، فالتقوا بكوم الريش، فهزمهم ابن حمدان، وقتل وغرق نحو من أربعين ألفًا. ونفدت خزائن المستنصر على الترك، ثم اختلفوا، ودام الحرب أيامًا، وطمعوا في المستنصر، وطالبوه حتى أبيعت فرش القصر، وأمتعته بأبخس ثمن، وغلبت العبيد على الصعيد، وقطعوا الطرق، وكان نقد الأتراك في الشهر أربع مائة ألف دينار، واشتدت وطأة ناصر الدولة، وصار هو الكل، فحسده الأمراء، وحاربوه، فهزموه، ثم جمع وأقبل، فانتصر، وتعثرت الرعية بالهيج مع القحط، ونهبت الجند دور العامة.
قال ابن الأثير: اشتد الغلاء حتى حكي أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، باعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مائة دينار، فاشترت بها جوالق قمح، فانتهبه الناس، فنهبت هي منه فحصل لها ما خبز رغيفًا.
واضمحل أمر المستنصر بالمرة، وخمل ذكره. وبعث ابن حمدان يطالبه بالعطاء، فرآه