رسوله على حصير، وما حوله سوى ثلاثة غلمان. فقال: أما يكفي ناصر الدولة أن أجلس في مثل هذا الحال؟ فبكى الرسول، ورق له ناصر الدولة، وقرر له كل يوم مائة دينار.
وكان ناصر الدولة، يظهر التسنن، ويعيب المستنصر لخبث رفضه وعقيدته، وتفرق عن المستنصر أولاده، وأهله من الجوع، وتقرفوا في البلاد ودام الجهد عامين، ثم انحط السعر في سنة خمس وستين.
قال ابن الأثير: بالغ ابن حمدان في إهانة المستنصر، وفرق عنه عامة أصحابه، وكان غرضه أن يخطب لأمير المؤمنين القائم، ويزيل دولة الباطنية، وما زال حتى قتله الأمراء، وقتلوا أخويه فخر العرب، وتاج المعالي، وانقطعت دولتهم.
وفي سنة سبع وستين: ولي الأمور أمير الجيوش بدر، فقتل أمير الأمراء الدكز، والوزير ابن كدينة، وكان المستنصر قد كتب إليه سرًا ليقدم من عكا، فأعاد الجواب أن الجند بمصر قد فسد نظامهم، فإن شئت أتيت بجند معي، فأذن له أن يفعل ما أحب، فاستخدم عسكرًا وأبطالا، وركبوا البحر في الشتاء مخاطرة. وبغت مصر وسلم، فولاه المستنصر ما وراء بابه، فلما كان الليل بقي يبعث إلى كل أمير طائفة بصورة رسالة، فيخرج الأمير فيقتلونه، ويأتون برأسه. فما أصبح إلَّا وقد مهد البلد، واحتاط على أموال الجميع، ونقله إلى القصر. وسار إلى دمياط فهذبها، وقتل الذين تغلبوا عليها، وحاصر الإسكندرية ودخلها بالسيف، وقتل عدة، وقتل بالصعيد اثني عشر ألفًا. وأخذ عشرين ألف امرأة، وخمسة عشر ألف فرس، فتجمعوا لحربه ثانيا، فكانوا ستين ألفًا، فساق، وبيتهم في جوف الليل، فقتل خلق، وغرق خلق ونهبت أثقالهم ثم عمل معهم مصافا آخر وقهرهم، وعمر البلاد، وأحسن إلى الرعية، وأطلق للناس الخراج ثلاث سنين، حتى تماثلت البلاد بعد الخراب.
وفيها مات: القائم، وبويع حفيده المقتدي، وأعيدت الدعوة بمكة للمستنصر، واختلفت العرب بإفريقية، وتحاربوا مدة.
وفي سنة ثمان وستين: اشتد القحط بالشام، وحاصر أتسز الخوارزمي دمشق، فهرب أميرها المعلى بن حيدرة، وكان جبارًا عسوفًا، وولى بعده رزين الدولة انتصار المصمودي، ثم أخذ دمشق أتسز، وأقام الدعوة العباسية، خافه المصريون، ثم قصدهم في سنة تسع وستين، وحاصرهم ولم يبق إلَّا أن يتملك، فتضرع الخلق عند الواعظ الجوهري، فرحل شبه منهزم، وعصى عليه أهل القدس مدة، ثم أخذها، وقتل وتمرد، وفعل كل قبيح، وذبح قاضي القدس والشهود صبرًا.