قال ابن خلكان: أخبرني عالم أن العاضد رأى في نومه كأن عقربًا خرجت إليه من مسجد عرف بها فلدغته، فلما استيقظ طلب معبرا فقال: ينالك مكروه من رجل مقيم بالمسجد، فسأل عن المسجد، وقال للوالي عنه، فأتي بفقير، فسأله: من أين هو؟ وفيما قدم؟ فرأى منه صدقًا ودينًا. فقال: ادع لنا يا شيخ، وخلى سبيله، ورجع إلى المسجد، فلما غلب صلاح الدين على مصر، عزم على خلع العاضد. فقال ابن خلكان: استفتى الفقهاء، فأفتوا بجواز خلعه لما هو من انحلال العقيدة والاستهتار، فكان أكثرهم مبالغة في الفتيا ذاك، وهو الشيخ نجم الدين الخبوشاني، فإنه عدد مساوئ هؤلاء، وسلب عنهم الإيمان.
قال أبو شامة: اجتمعت بأبي الفتوح بن العاضد، وهو مسجون مقيد، فحكى لي أن أباه في مرضه طلب صلاح الدين، فجاء، وأحضرنا ونحن صغار، فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا.
قال أبو شامة: كان منهم ثلاثة بإفريقية: المهدي، والقائم، والمنصور، وأحد عشر بمصر آخرهم العاضد، ثم قال: يدعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي، حتى اشتهر لهم ذلك. وقيل: الدولة العلوية، والدولة الفاطمية، وإنما هي الدولة اليهودية أو المجوسية الملحدة الباطنية.
ثم قال: ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر، وأن نسبهم غير صحيح. بل المعروف أنهم بنو عبيد. وكان والد عبيد من نسل القداح المجوسي الملحد. قال: وقيل: والده يهودي من أهل سلمية، وعبيد كان اسمه سعيدًا، فغيره بعبيد الله لما دخل إلى المغرب، وادعى نسبًا ذكر بطلانه جماعة من علماء الأنساب، ثم ترقي، وتملك، وبنى المهدية. قال: وكان زنديقًا خبيثًا، ونشأت ذريته على ذلك، وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها.
قلت: وكانت دولتهم مائتي سنة وثمانيًا وستين سنة، وقد صنف القاضي أبو بكر بن الباقلاني كتاب "كشف أسرار الباطنية" فافتتحه ببطلان انتسابهم إلى الإمام علي، وكذلك القاضي عبد الجبار المعتزلي.
هلك العاضد يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمس مائة بذرب مفرط. وقيل: مات غما لما سمع: بقطع خطبته وإقامة الدعوة للمستضيء. وقيل: سقي. وقيل: مص خاتمًا له مسمومًا. وكانت الدعوة المذكورة أقيمت في أول جمعة من المحرم، وتسلم صلاح الدين القصر بما حوى من النفائس والأموال، وقبض أيضًا على أولاد العاضد وآله، فسجنهم في بيت من القصر، وقمع غلمانهم وأنصارهم، وعفى آثارهم.