ابن الحداد، وكان أيضًا ينظر في المظالم، ويوقع فيها، فنظر في الحكم خلافةً عن الحسين بن محمد بن أبي زرعة الدمشقي، وكان يجلس في الجامع، وفي داره، وكان فقيهًا متعبدًا، يحسن علومًا كثيرة، منها: علم القرآن، وقول الشافعي، وعلم الحديث، والأسماء والكنى، والنحو واللغة، واختلاف العلماء، وأيام الناس، وسير الجاهلية، والنسب، والشعر، ويحفظ شعرًا كثيرًا، ويجيد الشعر، ويختم في كل يوم وليلة، ويصوم يومًا ويفطر يومًا، ويختم يوم الجمعة ختمة أخرى في ركعتين في الجامع قبل صلاة الجمعة، سوى التي يختمها كل يوم، حسن الثياب رفيعها، حسن المركوب، فصيحًا غير مطعون عليه في لفظ، ولا فضل، ثقة في اليد والفرج واللسان، مجموعًا على صيانته وطهارته، حاذقًا بعلم القضاء، أخذ ذلك عن أبي عبيد القاضي.
وأخذ علم الحديث عن النسائي، والفقه عن محمد بن عقيل الفريابي، وعن بشر بن نصر، وعن منصور بن إسماعيل، وابن بحر، وأخذ العربية عن ابن ولاد، وكان لحبِّه الحديث لا يدع المذاكرة، وكان يلزمه محمد بن سعد الباوردي الحافظ، فأكثر عنه من مصنفاته، فذاكره يومًا بأحاديث فاستحسنها ابن الحدّاد وقال: اكتبها لي، فكتبها له، فجلس بين يديه، وسمعها منه، وقال: هكذا يؤخذ العلم، فاستحسن الناس ذلك منه، وكان تتبَّع ألفاظه، وتجمع أحكامه، وله كتاب الباهر في الفقه نحو مائة جزء، وكتاب الجامع.
وفي ابن الحداد يقول أحمد بن محمد الكحال:
الشافعي تفقهًا والأصمعي … تفننًا والتابعين تزهدا
قال ابن زولاق: حدَّثنا ابن الحداد بكتاب خصائص علي ﵁، عن النسائي، فبلغه عن بعضهم شيء في علي فقال: لقد هممت أن أملي الكتاب في الجامع.
قال ابن زولاق: وحدثني علي بن حسن قال: سمعت ابن الحداد يقول: كنت في مجلس ابن الإخشيذ -يعني: ملك مصر، فلمَّا قمنا أمسكني وحدي فقال: أيما أفضل، أبو بكر وعمر أو علي؟ فقلت: اثنين حذاء واحد، قال: فأيما أفضل، أبو بكر أو علي؟ قلت: إن كان عندك فعليّ، وإن كان برًّا فأبو بكر، فضحك.
قال: وهذا يشبه ما بلغني عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنه سأله رجل: أيما أفضل، أبو بكر أو علي? فقال: عد إليَّ بعد ثلاث، فجاءه فقال: تقدمني إلى مؤخّر الجامع، فتقدمه، فنهض إليه واستعفاه فأبى، فقال: عليّ، وتالله، لئن أخبرت بهذا أحدًا عنِّي لأقولنَّ للأمير أحمد بن طولون، فيضربك بالسياط.