للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مؤمن، ولا يبغضك إلَّا منافق" (١). وهذا أشكل الثلاثة، فقد أحبه قوم لا خلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من النواصب، فالله أعلم.

أنبئت عن أبي سعد الصفار: عن عبد الغافر بن إسماعيل قال: الحاكم أبو عبد الله هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفته، يقال له: الضبي؛ لأن جد جدته هو عيسى بن عبد الرحمن الضبي، وأم عيسى هي منويه بنت إبراهيم بن طهمان الفقيه، وبيته بيت الصلاح والورع والتأذين في الإسلام، وقد ذكر أباه في تاريخه، فأغنى عن إعادته، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة. قال: ولقي عبد الله بن محمد بن الشرقي، وأبا علي الثقفي، وأبا حامد بن بلال، ولم يسمع منهم، وسمع من أبي طاهر المحمداباذي، وأبي بكر القطان، ولم يظفر بمسموعه منهما، وتصانيفه المشهورة تطفح بذكر شيوخه، وقرأ بخراسان على قراء وقته، وتفقَّه على أبي الوليد، والأستاذ أبي سهل، واختصَّ بصحبة الإمام أبي بكر الصبغي، وكان الإمام يراجعه في السؤال والجرح والتعديل، وأوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة. وفَوَّض إليه تولية أوقافه في ذلك، وذاكر مثل الجعابي، وأبي علي الماسرجسي الحافظ الذي كان أحفظ زمانه، وقد شرع الحاكم في التصنيف سنة سبع وثلاثين، فاتَّفق له من التصانيف ما لعله يبلغ قريبًا من ألف جزء من تخريج "الصحيحين"، و"العلل والتراجم" والأبواب والشيوخ، ثم المجموعات مثل "معرفة علوم الحديث"، و"مستدرك الصحيحين"، و"تاريخ النيسابوريين"، و"كتاب مزكي الأخبار"، و"المدخل إلى علم الصحيح"، وكتاب "الإكليل"، و"فضائل الشافعي"، وغير ذلك. ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه، ويحكون أن مقدمي عصره مثل أبي سهل الصعلوكي، والإمام ابن فورك، وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة، ثم أطنب عبد الغافر في نحو ذلك من تعظيمه، وقال: هذه جمل يسيرة هي غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمَّل كلامه في تصانيفه، وتصرفه في أماليه، ونظره في طرق الحديث، أذعن بفضله، واعترف له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه، وعاش حميدًا، ولم يخلف في وقته مثله، مضى إلى رحمة الله في ثامن صفر سنة خمس وأربع مائة.

قال أبو حازم عمر بن أحمد العبدويي الحافظ: سمعت الحاكم أبا عبد الله إمام أهل الحديث في عصره يقول: شربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف.


(١) صحيح: أخرجه مسلم "٧٨" عن علي ، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>