وغلت مراجل الفتنة، ثم حاصروا إشبيلية أشد حصار، وظهر من بأس المعتمد وتراميه على الاستشهاد ما لم يسمع بمثله. وفي رجب سنة أربع، هجم المرابطون على البلد، وشنوا الغارات، وخرج الناس عرايا، وأسروا المعتمد.
قال عبد الواحد: برز المعتمد من قصره في غلالةٍ بلا درعٍ ولا درقةٍ، وبيده سيفه، فرماه فارس بحربة أصاب الغلالة، وضرب الفارس فتله، فولت المرابطون. ثم وقت العصر، كرت البربر، وظهروا على البلد من واديه، ورموا فيه النار، فانقطع العمل، واتسع الخرق على الراقع بقدوم سير ابن أخي السلطان، ولم يترك البربر لأهل البلد شيئًا، ونهبت قصور المعتمد، وأكره على أن كتب إلى ولديه أن يسلما الحصنين، وإلا قتلت، فدمي رهن على ذلك، وهما المعتد، والراضي، وكانا في رندة ومارتلة، فنزلا بأمان ومواثيق كاذبة، فقتلوا المعتد، وقتلوا الراضي غيلة، ومضوا بالمعتمد وآله إلى طنجة بعد أن أفقروهم، ثم سجن بأغمات عامين وزيادة، في قلة وذل، فقال:
تبدلت من ظل عز البنود … بذل الحديد وثقل القيود
وكان حديدي سنانًا ذليقا … وعضبًا رقيقًا صقيل الحديد
وقد صار ذاك وذا أدهما … يعض بساقي عض الأسود
قيل: إن بنات المعتمد أتينه في عيد، وكن يغزلن بالأجرة في أغمات، فرآهن في أطمارٍ رثةٍ، فصدعن قلبه، فقال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا … فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة … يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة … أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية … كأنها لم تطأ مسكًا وكافورا