للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأنصف، واعترف أنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلف الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي يعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها.

ومما نقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب "كيمياء السعادة والعلوم" وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به -والحق أحق ما يقال- ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له، فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا شيئًا من ذلك، تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل، على أن المنصف اللبيب إذا رجع إلى نفسه، علم أن أكثر ما ذكره مما رمز إليه إشارات الشرع، وإن لم يبح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة مرموزة، ومصرحا بها متفرقة، وليس لفظ منه إلَّا وكما تشعر سائر وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة، فلا يجب حمله إذًا إلَّا على ما يوافق، ولا ينبغي التعلق به في الرد عليه إذا أمكن، وكان الأولى به أن يترك الإفصاح بذلك، وقد سمعت أنه سمع "سنن أبي داود" من القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي، وسمع من محمد بن أحمد الخواري والد عبد الجبار كتاب "المولد" لابن أبي عاصم بسماعه من أبي بكر بن الحارث عن أبي الشيخ عنه.

قلت: ما نقمه عبد الغافر على أبي حامد في الكيمياء، فله أمثاله في غضون تواليفه، حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم، فما استطاع.

ومن "معجم أبي علي الصدفي"، تأليف القاضي عياض له، قال: والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك. مولده: سنة خمسين وأربع مائة.

قلت: ما زال العلماء يختلفون، ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكلٌّ منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع، فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور.

ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب "رياض الأفهام" في مناقب أهل البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه "سر العالمين وكشف ما في الدارين" فقال في حديث: "من كنت مولاه، فعليٌّ مولاه" (١) أن عمر قال لعلي: بخٍ بخٍ، أصبحت مولى كل مؤمنٍ ومؤمنة. قال


(١) صحيح: ورد عن جمع من الصحابة منهم: زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
فأما حديث زيد بن أرقم: فعند الترمذي "٣٧١٣"، وأحمد "٤/ ٣٦٨ و ٣٧٢".
وأما حديث البراء بن عازب: فعند ابن ماجه "١١٦"، وأحمد "٤/ ٢٨١".
وأما حديث سعد بن أبي وقاص: فعند ابن ماجه "١٢١".
وأما حديث بريدة بن الحصيب: فعند أحمد "٥/ ٣٤٧"، والطبراني في "الأوسط" "٤٣٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>