وعبد الواحد الزواوى طير الجنة، وعبد الله بن أبي بكر، وعمر بن أرناق، وواسنار أبو محمد، وإبراهيم بن جامع، وآخر.
وفي أول سنة أربع وعشرين؛ جهز عشرين ألف مقاتل عليهم البشير، وعبد المؤمن بعد أمور يطول شرحها، فالتقى الجمعان، واستحر القتل بالموحدين، وقتل البشير، ودام الحرب إلى الليل، فصلى بهم عبد المؤمن صلاة الخوف، ثم تحيز بمن بقى إلى بستان يعرف بالبحيرة، فراح منهم تحت السيف ثلاثة عشر ألفًا، وكان ابن تومرت مريضًا، فأوصى بإتباع عبد المؤمن، وعقد له، ولقبه أمير المؤمنين، وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضدوه بأنفسكم وأموالكم، ثم مات في آخر سنة أربع وعشرين وخمس مائة.
قال اليسع بن حزم: سمي ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله -تعالى- عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه.
إلى أن قال: فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لن يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه حسبة.
قال ابن خلكان: قبره بالجبل معظم، مات كهلًا، وكان أسمر ربعة، عظيم الهامة، حديد النظر مهيبًا، وآثاره تغنى عن أخباره، قدم في الثرى، وهامة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا، أغفل المرابطون ربطه وحله، حتى دب دبيب الفلق في الغسق، وكان قوته من غزل أخته رغيفًا بزيت، أو قليل سمن، لم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، رأى أصحابه يومًا، وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من أراد الدنيا، فهذا له عندي، ومن كان يبغي الآخرة، فجزاؤه عند الله، وكان يتمثل كثيرًا:
تجرد من الدنيا فإنك إنما … خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد
ولم يفتتح شيئًا من المدائن، وإنما قرر القواعد، ومهد، وبغته الموت، وافتتح بعده البلاد عبد المؤمن.
وقد بلغني -فيما يقال: أن ابن تومرت أخفى رجالًا في قبور دوارس، وجاء في جماعة ليريهم آية، يعني فصاح: أيها الموتى أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدي المعصوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا.