للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال العماد: أطلق في مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس. قال: وما حضر اللقاء إلَّا استعار فرسًا، ولا يلبس إلَّا ما يحل لبسه كالكتان والقطن، نزه المجالس من الهزل، ومحافله آهلة بالفضلاء، ويؤثر سماع الحديث بالأسانيد، حليمًا، مقيلًا للعثرة، تقيًا نقيًا، وفيًا صفيًا، يغضي ولا يغضب، ما رد سائلًا، ولا خجل قائلًا، كثير البر والصدقات، أنكر علي تحلية دواتي بفضة، فقلت: في جوازه وجه ذكره أبو محمد الجويني. وما رأيته صلى إلَّا في جماعة.

قلت: وحضر وفاته القاضي الفاضل.

وذكر أبو جعفر القرطبي إمام الكلاسة: إنني انتهيت في القراءة إلى قوله -تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الحشر: ٢٢]، فسمعت صلاح الدين، وهو يقول: صحيح. وكان ذهنه قبل ذلك غائبًا، ثم مات، وغسله الخطيب الدولعي، وأخرج في تابوت، فصلى عليه القاضي محيي الدين بن الزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضًا فيهًا، ودفن في الصفة، وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظم الضجيج، حتى إن العاقل ليخيل له أن الدنيا كلها تصيح صوتًا واحدًا، وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه. ثم بنى ولده الأفضل قبةً شمالي الجامع، ونقله إليها بعد ثلاث سنين، فجلس هناك للعزاء ثلاثًا.

وكان شديد القوى، عاقلًا، وقورًا، مهيبًا، كريمًا، شجاعًا.

وفي "الروضتين" لأبي شامة: أن السلطان لم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلَّا سبعةً وأربعين درهمًا، ودينارًا صوريًا، ولم يخلف ملكًا ولا عقارًا ، ولم يختلف عليه في أيامه أحد من أصحابه، وكان الناس يأمنون ظلمه، ويرجون رفده، وأكثر ما كان يصل عطاؤه إلى الشجعان، وإلى العلماء، وأرباب البيوتات، ولم يكن لمبطل ولا لمزاح عنده نصيب.

قال الموفق: وجد في خزانته بعد موته دينار وثلاثون درهمًا، وكان إذا نازل بلدًا، وأشرف على أخذه، ثم طلبوا منه الأمان، آمنهم، فيتألم لذلك جيشه، لفوات حظهم.

قال القاضي بهاء الدين ابن شداد: قال لي السلطان في بعض محاوراته في عقد الصلح: أخاف أن أصالح، وما أدري أيش يكون مني، فيقوى هذا العدو، وقد بقيت لهم بلاد، فيخرجون لاستعادة ما في أيدي المسلمين، وترى كل واحد من هؤلاء يعني أخاه وأولادهم قد قعد في رأس تله يعني قلعته ويقول: لا أنزل، ويهلك المسلمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>