وقد اعتنى الحافظ الذهبي ﵀ بنقد المترجمين، والرد على بعض الأخطاء والانحرافات العقدية والفقهية والحديثية يراه القارئ الكريم في ردوده المبثوثة في تراجم الكتاب. وقد ذكرت مبحثا خاصا في هذه التقدمة لآرائه العقدية والفقهية والحديثية، وذكرت بعضا من أقوال المترجمين وتعقب الحافظ الذهبي لهم، ورده عليهم بالأدلة النقلية والعقلية التي يقيم بها الحجة ساطعة على مخالفيه مما يدل على رسوخ قدمه في العلوم الشرعية وتمكنه فيها.
وقد اعتنى الحافظ أيضا بنقد المترجمين من رواة الأحاديث فيورد كلام علماء الجرح والتعديل في الرجل المترجم له، وقد يرجح رأيا على آخر في الرجل ويدلل عليه؛ فيقول الحافظ ﵀ في "السير""٦/ ٥٦٣": قال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث "البيعان بالخيار" فقال: يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، ثم قال أحمد: هو أورع وأقول بالحق من مالك.
فتعقبه الذهبي "٦/ ٥٦٤" بقوله:
قلت: لو كان ورعا كما ينبغي، لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم، فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث، لأنه رآه منسوخا. وقيل: عمل به، وحمل قوله:"حتى يتفرقا" على التلفظ بالإيجاب والقبول، فمالك في هذا الحديث، وفي كل حديث له أجر ولا بد، فإن أصاب، ازداد أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاد الحرورية -أي الخوارج- وبكل حال: فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما ﵄ ولم يسندها الإمام أحمد، فلعلها لم تصح.
وقال في "السير""٦/ ٥٦٧":
قال عثمان الدارمي: قلت ليحيى: ما حال ابن أبي ذئب في الزهري؟ فقال: ابن أبي ذئب ثقة.
فعقب الذهبي بقوله: قلت: هو ثقة مرضي، وقد قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سألت عليا عنه، فقال: كان عندنا ثقة، وكانوا يوهنونه في أشياء رواها عن الزهري. وسئل عنه أحمد، فوثقه، ولم يرضه في الزهري.