ألف وجه قام بها، قال: وما سمعت شيئًا إلَّا حفظته، قرأ على أبي عبد الله الشوذي التلمساني الصالح. قال ياقوت: فحدثني شرف الدين قال: حدثني ابن دهاق: حفظت وأنا شاب القرآن، وكتبًا منها "إحياء علوم الدين" للغزالي، فسافرت إلى تلمسان، فكنت أرى رجلًا زريًا قصيرًا طوله نحو ذراع، وكان يأخذ زنبيله ويحمل السمك بالأجرة، وما رآه أحد يصلي، فاتفق أني اجتزت يومًا وهو يصلي، فلما رآني قطع الصلاة، وأخذ يعبث، ثم جاء العيد فوجدته في المصلى، فقلت: سآخذه معي أطعمه فسبقني، وقال: قد سبقتك، احضر عندي، فمضيت معه إلى المقابر فأحضر طعامًا حارًا يؤكل في الأعياد، فعجبت وأكلت، ثم شرع يخبرني بأحوالي كأنه كان معي، وكنت إذا صليت يخيل لي نور عند قدمي، فقال لي: أنت معجب تظن نفسك شيئًا، لا، حتى تقرأ العلوم، قلت: إني أحفظ القرآن بالروايات، قال: لا حتى تعلم تأويله بالحقيقة، فقلت: علمني، فقال: من غد مر بي في السماكين، فبكرت فخلا بي في موضع ثم جعل يفسر لي القرآن تفسيرًا عجيبًا مدهشًا، ويأتي بمعاني، فبهرني، وقلت: أحب أن اكتب ما تقول، فقال: كم تقول عمري? قلت: نحو سبعين سنة. قال: بل مائة وعشر سنين، وقد كنت أقرأ العلم أربعين سنة ثم تركت الإقراء، فاسأل الله أن يفقهك في الدين، فجعل كلما ألقى علي شيئًا حفظته، قال: فجميع ما ترونه مسني من بركته، وسمعته يقول: قطب الأرض اليوم ابن الأشقر، -أو قال: الأشقر- وإن مات قبلي فأنا أصير القطب. ثم قال المرسي: أنشدني ابن دهاق، أنشدني الشوذي لنفسه:
إذا نطق الوجود أصاخ قوم … بآذان إلى نطق الوجود
وذاك النطق ليس به انعجام … ولن جل عن فهم البليد
فكن فطنًا تنادى من قريب … ولا تك من ينادي من بعيد
ولقي المرسي بفاس أبا عبد الله محمد ابن الكتاني، وكان إمامًا في الأصول والزهد، قال: فكتبت إلى ابن المرأة:
يا أيها العلم المرفع قدره … أنت الذي فوق السماك حلوله
أنت الصباح المستنير لمبتغي … علم الحقائق أنت أنت دليله
بك يا أبا إسحاق يتضح الهدى … بك تستبين فروعه وأصوله
من يزعم التحقيق غيرك إنه … مثل المجوز ما العقول تحيله
إلى أن قال: وقرأت "كتاب سيبويه" على أبي علي الشلوبين جميعه، فكتب لي بخطه: