(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ)، قول الله في سورة النساء، عملوا بمقتظى ما عملوا (لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً)(النساء:٦٦ - ٦٨)، كم وكم؟ من قدوات ظاهرا لم تعمل بمفتضى ما عملت فسقطت وتكشفت على الطريق فيما بين غمصة عين وانتباهتها، لعل ابن عيينة رحمه الله يعنيها بخطابه يوم يقول: لا تكون كالمنخل يخرج الدقيق الطيب ويمسك النخالة، تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم، إن من يخوض النهر لا بد أن يصيب ثوبه وإن إجتهد ألا يصيبه، فويحكم ثم ويحكم ثم ويحكم.
أيها العالم أياك الزلل ... واحذر الهفوة فالخطب جلل
هفوة العالم مستعظمة ... إن هفا أصبح في الناس مثل
إن تكن عندك مستحقرة ... فهي عند الله والناس جبل
انت ملح الأرض ما يصلحه ... إن بدا فيه فساد وخلل
أيها المسافر على علم:(لا تشغل نفسك بأدنى العلوم دون اعلاها وأسماها وأنت قادر عليه، فإني لأربأ بك أن تكون كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر أو كغارس الشعراء حيث يزكو النخل والتين والزيتون)، فتسبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. ثم أصغ سمعك للشوكاني رحمه الله وهو يخاطبك فيقول: (استكثر من العلم الشرعي زادا لك ما شئت، وتبحر في الدقائق مخلصا ما استطعت، واجب من عذلك أو خالفك بقول من صدقك.
أتانا أن سهلا ذم جهلا علوما ... ليس يدركهن سهل
علوما لو دراها ما قلاها ولكن ... الرضا بالجهل سهل
أما قد علمت وعملت فإن من مفتضى العلم أن تدعو غيرك إلى العلم الذي عرفته بالحجة والبرهان على بصيرة وهدفك إخراج من تدعوه ونفسك من الظلمات إلى النور من الانحراف إلى الاستقامة التي تنال رضى الله بها في الدنيا وفي الآخرة.