هذا شيخ الإشلام ابن تيمية رحمه الله يفسر قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ)، فيقول:(فواجب على الأمة أن يبلغوا ما أنزل إليه، وينذروا كما أنذر، قال الله تعال: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:١٢٢). والجن لما سمعوا القرآن (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)(الاحقاف: ٢٩).
وهذا تلميذه الإمام المحقق ابن القيم الجوزية رحمه الله يقول:(وتبليغ سنته صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، واما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء، وخلفائهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه).
وليسيت هذه المنزلة العليا في الدنيا إلا منزلة الدعوة إلى الله، ووراثة وظائف النبوة، التي ليس أشرف منها إلا منزلة النبوة نفسها وهذا الإمام أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى يناديك:(ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم) و (هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثهم على الخير، ونهيهم عن الشر).
وها هو رحمه الله يقارن بين الشجعان يخالطون الناس لدعوتهم، ويصبرون على أذيتهم، وبين المتخاذلين المعتزلين القاعدين عن الدعوة إلى الله تعالى، فيقول:(الزاهد في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن نفع الناس، وهي حالة حسنة إذا لم تمنع من خير، من جماعة واتباع جنازة وعيادة مريض، إلا أنها حالة الجبناء. فأما الشجعان فهم يتعلمون ويعلمون. وهذه مقامات النبياء عليهم السلام).