فهل يجوز سكوت ... أو يستساغ النمير
الخطب خطب عظيم ... والأمر أمر خطير
فإن لم يحرك فيك الوعد ولا الوعيد، ولا الترغيب ولا الترهيب، إذ تبلد الإحساس فلا مساس، فقف على أخبار أهل الأهداف، علك أن تشتبه بهم، فيثور فيك الحماس على أساس.
(في مؤتة خؤج جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه زيد وجعفر وابن رواحة رضي الله عن الجميع، هدفهم: (إن هي إلا إحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة في سبيل الله) فلما ودعهم المسلمون قالوا: صحبكم الله بالسلامة ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين. فقام عبد الله بن رواحة وقال:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيد حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبد
حتى يقال إذا مراوا على جدثي ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
ولما رأى المسلمون جموع الروم - الجموع الكبيرة - نظروا في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فقام إبن رواحة فقال: والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، وما نقاتل الناس بعدد ولا عدة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما الشهادة.
تلذ له المروءة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام
فقاتل القوم وعليهم زيد، فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم وخر صريعا رضي الله عنه وأرضاه. أخذ الراية جعفر فقاتل بها حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها لئلا ينتفع بها العدو، ثم قاتل وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذا لاقيتها ضرابها
فقطعت يمينة، فأخذ الراية بيساره، فقطعت فاحتضن الراية حتى قتل كالأسد. رحمة الله على ذاك الجسد. ثم أخذهاإبن رواحة كالليث، ونالته الجراح -وأي جراح- فحاله: