يا نفس أإلا تقتلي تموتي ... هذا حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت ... إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيت
(ثم قاتل ثابتا رضي الله عنه وأرضاه حتى قتل، فأخذ الراية سيف الله خالد ففتح الله على يديه).
أخرجوا الدنيا من قلوبهم، وقطعوا أسباب التعلق بها عن أنفسهم، فكان الإقتحام، وكانت الشهادة وكان الفوز بالجنة، وهكذا أمر العاقل اللبيب، لا يبيع الياقوت بالحصى، ولا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة، الطريق شاق وتكاليف وعوائق، فمن لم يجمع همته، ويعلي إدارته، ويقوي عزيمته، ويتخفف من دنياه فلن يستطيع بلوغ أهدافه وغايته.
ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محبب
ولم يتأخر من أراد تقدما ... ولم يتقدم من أراد تأخرا
ويذكر الذهبي في سيريه:(أن نور الدين الشهيد لما نزل دمياط بقي عشرين يوما صائما لا يفطر إلا على الماء، فضعف وكاد يتلف، ولما التقى العدو وخاف على الإسلام، انفرد في ناحية من الجيش ومرغ وجهه في التراب وقال يا رب، من نور الدين؟ الدين دينك والجند جندك وافعل يا رب ما يليق بكرمك فنصره الله نصرا مؤزورا).
كان ذا همة عالية، كان هدفه وهاجسه فتح بيت المقدس وتطهيره من الصليب. قام في حلب بعمل منبر عظيم لينصبه في بيت المقدس حينما يفتحه وكان الناس يسخرون منه يوم يمرون عليه وهو يفعل ذلك فلم يلتفت إليهم وحاله كحال نبي الله نوح يوم يصنع الفلك (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا (هود:٣٨)، كان يريد بذلك المنبر بث الروح، وبعث الهمم، وتبديد اليأس المخيم على القلوب، ولقد حقق الله له أمنيته، وفتح بيت المقدس، ونصب له منبره بعد وفاته، نصب على يدي تلميذه صلاح الدين وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنة. والسيف يبلغ ما لا يبلغ الكلم.