للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٥٦ - (خ م ت س) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: لم أزلْ حَريصاً على أنْ أسْأَلَ عُمرَ بنَ الخطابِ عن المرأتينِ من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَيْنِ قال الله عز وجل: {إِنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فقد صَغَتْ قُلُوبُكُما} (١) حتى حَجَّ عمرُ، وحَجَجْتُ مَعهُ، فلما كان بِبعضِ الطريقِ عَدَلَ عمرُ، وعَدَلْتُ ⦗٤٠١⦘ مَعهُ بالإِدَاوِة، فَتَبَرَّزَ ثمَّ أتاني، فسكبتُ على يَدَيْهِ، فَتَوَضَّأَ، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، مَنِ المرأتانِ من أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قال الله عز وجل: {إنْ تَتُوبا إلى اللَّه فقد صَغَتْ قُلُوبُكُما} ؟ فقال عمرُ: واعجباً لكَ يا ابْن العباس! قال الزهريُّ: كَرِهَ واللهِ ما سأله عَنْهُ ولم يكْتُمْه، فقال: هُما عائشَةُ وحفْصَةُ، ثم أخَذَ يسُوقُ الحديثَ - قال: كُنَّا معْشَرَ قُرَيْش قَوْماً نَغْلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا المدينَةَ، وجدْنا قوماً تغْلِبُهُمْ نِساؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِساؤُنا يتَعَلَّمْنَ من نِسائِهِمْ، قال: وكان مَنْزِلي في بني أُمَيَّةَ بن زيْدٍ بالعَوَالي، فَتَغَضَّبْتُ يوماً على امْرَأَتِي، فإِذا هي تُراجِعُني، فأنكَرْتُ أنْ تُراجِعَني، فقالت: ما تُنْكِرُ أنْ أُراجعَك، فو اللهِ، إِن أزْواجَ النبي صلى الله عليه وسلم لُيرَاجِعْنَهُ، وتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إلى اللَّيْلِ، فانْطَلَقْتُ، فدَخلْتُ على حَفْصَةَ، فَقُلتُ: أتُراجِعِينَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلتُ: أَتَهْجُرُهُ إِحْداكُنَّ الْيَوْمَ إلى اللَّيْلِ؟ قالت: نعم، قُلْتُ: قَدْ خابَ مَنْ فَعَلَ ذلك مِنْكُنَّ وخَسِرَتْ، أفَتَأَْمَنُ إِحْداكُنَّ أنْ يغْضَبَ اللهُ عليها لِغَضَبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فإِذا هيَ هَلَكَتْ، لا تُراجعي رسولَ الله، ولا تسْأَليه شَيْئاً، وسَلينيِ ما بَدَالك، ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارَتُكِ هي أوْسَمُ (٢) وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منكِ - يريِد عائشَةَ - وكان لي جارٌ من الأنصار، فكُنَّا نتَنَاوَبُ النزولَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فينزلُ يوماً، وأَنزِلُ يوماً، فيَأْتِيني بِخَبَرِ ⦗٤٠٢⦘ الوَحْيِ وغيره، وآتِيهِ بِمثِلِ ذلك وكُنَّا نتحدثُ: أنَّ غسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُونَا، فَنزَلَ صاحبي، ثُمَّ أتَانِي عِشاء، فضَرَبَ بابِي، ثم ناداني، فخرجتُ إليه، فقال: حَدَثَ أمْرٌ عظيمٌ، فقلتُ: ماذا؟ جاءتْ غَسَّانُ؟ قال: لا، بلْ أعظمُ من ذَلِكَ وأهْوَلُ، طَلَّقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهُ، قلتُ: وقد خَابَتْ حَفْصَةُ وخَسِرَتْ، وقد كُنْتُ أَظُنُّ هذا يُوشكُ أن يكونَ، حتى إذا صَلَّيْتُ الصبحَ شَدَدْتُ عليَّ ثيابي، ثم نزلتُ، فدخلتُ على حَفْصَةَ، وهي تبكي، فقلتُ: أطَلَّقكُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أَدري، هو هذا مُعْتَزِلٌ في هذه المشرُبةِ، فأتيتُ غلاماً له أسودَ، فقلت: اسْتأذِنْ لعمر، فدخلَ ثم خرج إليَّ، قال: قد ذكرتكَ له فَصَمَتَ، فانطلقتُ حتى إذا أتيتُ المنبرَ، فإذا عنده رهْطٌ جلوسٌ، يبكي بعضُهم، فجلستُ قليلاً، ثم غلبني ما أجِدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذنْ لعمرَ، فدخلَ ثم خرجَ إليَّ، فقال: قد ذكرْتُكَ له فصَمَتَ، فخرجتُ فجلستُ إلى المنبر، ثم غلبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذنْ لعمرَ، فدخلَ ثم خرجَ فقال: قد ذكرْتُكَ له فصَمَتَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِراً، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل فقد أذن لك، فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مُتِّكىءٌ على رِمَالِ حَصِيرٍ، قد أثَّرَ في جنبِه، فقلتُ: أطلَّقتَ يا رسولَ اللهِ نِساءكَ؟ فرفع رأسه إليَّ، فقال: لا، فقلت: الله أكبر، لو رأيتَنا يا رسولَ الله، وكُنَّا معشر قريشٍ نغلِبُ النساء، فلمَّا قَدِمْنا المدينَةَ وجدْنا قوماً تغْلِبُهُمْ نِساؤُهُمْ، فطفِقَ نساؤنا يتعلَّمْنَ من نسائهم، فتغضَّبْتُ على امرأَتي يوْماً، فإذا هي ⦗٤٠٣⦘ تراجعُني، فأنكرتُ أن تَراجعني، فقالت: ما تُنكرُ أن أُراجعَكَ؟ فو اللهِ إنَّ أزواجَ رسولِ الله لَيُرَاجِعْنَهُ، وتَهْجُرُهُ إِحداهنَّ اليومَ إِلى الليلِ، فقْلتُ: قد خابَ مَنْ فعلَ ذلكَ منهنَّ وخسِرَ، أَفتأْمَنُ إِحداهنَّ أنْ يَغْضبَ اللهُ عليها لِغضبِ رسولِ الله، فإِذا هِيَ قَدْ هلكت؟ فتبسَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، قد دَخَلْتُ على حفصةَ فقلتُ: لا يغُرَّنَّكِ أَنْ كانت جارتُكِ هي أوسمُ وأَحبُّ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منكِ، فتبسَّم أُخرى. فقلتُ: استأنِس يا رسولَ الله؟ قال: نعم، فجلستُ، فرفعتُ رأْسي في البيتِ، فو الله ما رأَيتُ فيه شيْئاً يَرُدُّ البصرَ، إِلا أُهبَة ثلاثة، فقلتُ: يا رسولَ الله، ادعُ اللهَ أَن يُوسِّعَ على أُمَّتك، فقد وسَّعَ على فارسَ والروم، وهم لا يعْبُدُون اللهَ. فاستوى جالساً، ثم قال: أَفي شكٍّ أَنتَ يا ابنَ الخطاب؟ أَولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياة الدنيا، فقلتُ: استغفرْ لي يا رسولَ اللهِ، وكان أقسَمَ أَلَاّ يدخُلَ عليهنَّ شهراً من أَجلِ ذلك الحديث، حين أفشَتْهُ حفصةُ إِلى عائشة، من شدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عليهن حتى عاتبهُ اللهُ تعالى. قال الزهري: فأخبرني عُروةُ عن عائشة قالت: لما مضت تسعٌ وعشرونَ ليلة، دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، بدأَ بي، فقلتُ: يا رسول الله، إِنك أَقْسَمْتَ أَنك لا تدخل عليْنا شهراً، وإِنَّكَ دخلت من تسعٍ وعشرينَ أَعُدُّهُنَّ؟ فقال: إِنَّ الشهر تسعٌ وعشرون - زاد في رواية: وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين ليلة، ثم قال: يا عائشة إِنِّي ذاكِرٌ لكِ أمراً، فلا علْيكِ أن لا تعجلي حتى تستأمِري أَبويكِ، ثم قرأَ: {يا أَيُّها النبيُّ قُلْ لأَزواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدُّنيا وزينتها ⦗٤٠٤⦘ فَتَعَالَيْنَ أُمتِّعْكُنَّ وأُسرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جميلاً. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ ورسولَهُ والدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أجراً عظيماً} قالت عائشة: قد عَلِمَ والله أَنَّ أبويَّ لم يكونا لِيأْمُراني بِفِراقِهِ، فقلتُ: أَفي هذا أَستأمرُ أَبويَّ؟ فإني أُريدُ اللهَ ورسوله، والدار الآخرة.

وفي روايةٍ: أنَّ عائشةَ قالت: لا تُخبِرْ نِساءكَ أَني اختَرْتُكَ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ أَرسلني مُبَلِّغاً، ولم يُرْسِلْني مُتَعَنِّتاً» ، هذه رواية البخاري، ومسلم، والترمذي.

ولمسلم أَيضاً نحوُ ذلك، وفيه: «وذلك قبل أَن يؤمَرْن بالحجابِ» .

وفيه: دخولُ عمرَ على عائشةَ وحفصة ولوْمُهُ لهما، وقوله لحفصةَ: «واللهِ لقد علمتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لا يُحِبُّكِ، ولولا أَنا لطَلَّقَكِ» .

وفيه: قولُ عمر عند الاستئذان - في إِحدى المرات - يا رباحُ، استأْذِنْ لي، فإني أُظُنُّ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ظنَّ أني جئتُ من أَجل حفصة، والله لئن أمرني أن أضرِبَ عُنُقَها، لأضرِبَنَّ عُنُقَها، قال: ورفعتُ صوتي، وأنهُ أذِنَ له عند ذلك، وأَنهُ استأْذَنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أَن يخبر الناسَ أنهُ لم يُطلِّقْ نساءهُ، فأذِنَ له، وأنهُ قام على بابِ المسجدِ، فنادى بأعلى صوتِهِ: لم يُطَلِّقْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهُ، وأَنَّهُ قال له - وهو يَرى الغضبَ في وَجهه-: يا رسولَ اللهِ، ما يشُقُّ عليك من شأنِ النساءِ، فإنْ كنتَ طلَّقْتَهُنَّ، فإنَّ اللهَ مَعَكَ، وملائكتَهُ وجبريلُ، وميكائيلُ، وأنا وأَبو بكرٍ والمؤمنون معكَ، ⦗٤٠٥⦘ قال: وقَلَّمَا تكلَّمْتُ - وأحمدُ الله - بكلامٍ، إِلا رجوتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي الذي أَقولُ، فنزلت هذه الآية، آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزواجاً خَيراً مِنكُنَّ مُسلماتٍ مُؤْمِنَاتٍ قانتَاتٍ تَائِباتٍ عابِدَاتٍ سائحاتٍ ثيِّباتٍ وأَبكاراً} .

وفيه أنه قال: فلم أزلْ أُحدِّثُهُ، حتى تحسَّر الغضبُ عن وجهه وحتى كشَرَ فضحِك - وكان من أَحسن الناسِ ثغْراً - قال: ونزلتُ أَتشبَّثُ بالجِذْع وهو جذعٌ يَرْقَى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وينْحَدِرُ، ونزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرضِ، ما يمسُّهُ بيدهِ. فقلتُ: يا رسولَ الله، إِنَّمَا كُنتَ في الغرفةِ تسعاً وعشرين؟ فقال: إِنَّ الشهرَ يكون تسعاً وعشرين، قال: ونزلت هذه الآية: {وَإِذا جَاءهُم أَمرٌ مِن الأمنِ أو الخَوفِ أَذاعوا بهِ ولو رَدُّوه إِلى الرسولِ وإِلى أُولي الأَمرِ منهم لَعَلِمَهُ الذين يسْتَنْبِطونهُ منهم} [النساء: ٨٣] قال: فكنتُ أنا الذي استنْبَطْتُ ذلك الأمر، فأنزل الله عز وجلَّ آية التخيير.

وفي رواية للبخاري ومسلم قال: مكَثْتُ سنة أريدُ أَن أَسأَل عمر بن الخطاب عن آيةٍ، فما أستطيعُ أَن أَسأَلَهُ، هَيْبَة له، حتى خرجَ حاجّاً، فخرجتُ معه، فَلَمَّا رجعنا - وكنا بِبعْضِ الطريق - عَدَلَ إِلى الأراك لحاجةٍ له فوقفتُ له حتى فرغَ، ثم سِرتُ معه، فقلتُ: يا أَمير المؤمنين، مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أَزواجه؟ فقال: تلكَ حفصة وعائشةُ، فقلتُ: والله إِنْ كُنتُ لأُريدُ أَنْ أَسأَلكَ عن هذا مُنذُ سنةٍ، فما أستطيعُ، هَيْبة لك، قال: فلا تفْعَلْ، ما ظَنْنتَ أَنَّ عندي من علم، فسلني، فإن كان لي به علمٌ خَبَّرْتُكَ به، ثم قال عمر: واللهِ ⦗٤٠٦⦘ إِنْ كُنَّا في الجاهليةِ ما نَعُدُّ لِلنِّساءِ أمْراً، حَتَّى أنزلَ اللهُ فيهنَّ ما أنْزَلَ، وقَسَمَ لهنَّ ما قسم، قال: فبينا أَنا في أَمرٍ أَتأمَّرُه، إِذْ قالت امرأتي: لو صنعتَ كذا وكذا؟ فقلتُ لها: مالكِ ولِمَا هاهنا! فيما تكلُّفُكِ في أَمرٍ أُرِيدُهُ! فقالت لي: عجباً لك يا ابن الخطابِ! ما تُريدُ أن تُراجَعَ أنتَ، وإنَّ ابنتكَ لتُرَاجِعُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يظلَّ يومَهُ غضبان؟ فقام عمر، فأخذ رداءهُ مكَانَهُ، حتى دخلَ على حفصةَ، فقال لها: يا بُنيَّةُ، إِنَّكِ لتراجعِين رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يظلَّ يومَهُ غضبان؟ فقالت حفصةُ: واللهِ إِنَّا لنُراجِعُهُ، فقلتُ: تعلمينَ أَني أُحذِّركِ عقوبةَ اللهِ، وغضب رسولِهِ؟ يا بُنيَّةُ، لا يَغُرنَّكِ هذه التي أَعجَبَهَا حُسْنُهَا، وحُبُّ رَسولِ اللهِ إِيَّاهَا - يُريدُ عائشةَ - قال: ثُمَّ خرجتُ، حتى دخلتُ على أُم سلمةَ لقرابتي منها، فكلَّمتُها، فقالت أُمُّ سلمة: عجباً لكَ يا ابنَ الخطَّاب! ، دخلْتَ في كلِّ شيءٍ، حتى تبتغي أَن تَدْخُلَ بين رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَبَين أَزواجِهِ؟ قال: فأَخَذَتْني واللهِ أَخْذاً كَسَرَتْني بهِ عن بَعْضِ مَا كُنتُ أَجِدُ، فخرجتُ من عندها. وكان لي صاحبٌ من الأنصارِ، إِذا غِبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوف مَلِكاً من ملوك غسان ذُكِرَ لنا: أنه يريدُ أن يسيرَ إِلينا، فقد امتلأتْ صُدورنا منه، فإِذا صاحبي الأنصاريُّ يَدُقُّ البابَ. فقال: افتحْ، افتحْ، فقلتُ: جاءَ الغسانيُّ؟ فقال: بل أشدُّ من ذلك، اعتزلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أزواجَهُ، فقلت: رَغِمَ أنفُ حفصةَ وعائشة، فأخذتُ ثوبي فأخرجُ حتى جِئتُ، فَإِذا ⦗٤٠٧⦘ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في مشرُبةٍ له، يَرْقى عليها بعجلةٍ، وغلامٌ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على رأس الدرجةِ، فقلتُ: قلْ: هذا عمرُ بن الخطاب، فَأَذِنَ لي، قال عمر: فَقَصَصْتُ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث، فلما بَلَغْتُ حديثَ أُمِّ سلمةَ، تبسَّم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وإِنَّهُ لعلى حصيرٍ، ما بينَهُ وبينَهُ شيءٌ، وتحت رأسه وسادةٌ من أَدم، حشْوُها ليفٌ، وإِن عند رجليْهِ قَرظاً مصْبُوراً، وعند رأْسِهِ أَهَبٌ مُعلَّقةٌ، فرأيتُ أَثَرَ الحصير في جنْبِهِ، فبكَيتُ. فقال: ما يُبكيك؟ فقلتُ: يا رسولَ الله، إِن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسولُ الله؟ ! فقال: «أَما ترضى أَن تكونَ لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟» .

وأخرجه النسائي مجملاً، وهذا لفظهُ: قال ابن عباس: لم أزلْ حريصاً أَن أسأَلَ عُمرَ بن الخطاب عن المرأَتين من أَزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللَّتين قال الله عز وجل: {إِنْ تَتُوبَا إِلى اللهِ فقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] وساق الحديث. هكذا قال النسائي، ولم يذكر لفظه، وقال: واعتزل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نساءهُ - من أجل ذلك الحديث، حين أَفشَتْهُ حفصةُ إِلى عائشةَ - تسعاً وعشرين ليلة، قالت عائشةُ: وكان قال: ما أَنا بداخلٍ عليهنَّ شهراً، من شدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عليهنَّ حينَ حدَّثهُ اللهُ - عزَّ وجلَّ - حديثَهُنَّ، فلما مضت تِسعٌ وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأَ بها؛ فقالت له عائشة: قد كنتَ آليتَ يا رسولَ الله، أَن لا تدخُلَ علينا شهراً، وإِنَّا أصبحنا من تِسعٍ وعشرين ليلة، نعدُّها عَدّاً؟ ⦗٤٠٨⦘ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الشهر تِسعٌ وعشرون ليلة» (٣) . ⦗٤٠٩⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(العوالي) جمع عالية: وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة.

(صغت) قلوبكما: مالت.

(جارتك) الجارة هاهنا: الضرة، أراد بها عائشة رضي الله عنها.

(أوسم منك) أكثر منك حسناً وجمالاً، والوسامة: الحسن والجمال.

(أوضأ منك) أكثر منك وضاءة، والوضاءة: الحسن والنظافة، ومنه الوضوء.

(نتناوب) التناوب: هو أن تفعل الشيء دفعة ويفعله الآخر دفعة أخرى، مرة بعد مرة.

(المشربة) بضم الراء وفتحها: الغرفة.

(رمال حصير) يقال: رملت الحصير: إذا ضفرته ونسجته، والمراد: أنه لم يكن على السرير وطاء سوى الحصير.

(نقير) النقير: جذع ينقر، ويجعل فيه كالمراقي، يصعد عليه ⦗٤١٠⦘ إلى الغرف.

(أهبة، وأهب) الأهب: جمع إهاب، كذلك الأهبة، والإهاب الجلد، ويجمع أيضا على أهب بالضم.

(الموجدة) الغضب.

(تحسر) الغضب، أي: انكشف وزال.

(كشَرَ) عن أسنانه، أي: كشف.

(أتأمَّره) التأمر: تدبر الشيء والتفكر فيه، ومشاورة النفس في شأنه.

(قرظاً) القرظ: ورق السلم، يدبغ به الجلود.

(مصبوراً) المصبور: المجموع، أي: جُعِل صبرة كصبرة الطعام.


(١) نقل القرطبي في تفسيره ٦ / ١٧٣ و ١٧٤ قال الخليل بن أحمد والفراء: كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع. تقول: هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما، و {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} ، ولهذا قال: {فاقطعوا أيديهما} ولم يقل: يديهما.
(٢) " أن كانت " بفتح الهمزة، والمراد بالجارة هنا: الضرة، و " أوسم " أحسن وأجمل، والوسامة: الجمال.
(٣) البخاري ٨ / ٥٠٣ و ٥٠٤ في تفسير سورة التحريم، باب {تبتغي مرضاة أزواجك} ، وفي المظالم، باب الغرفة والعلية المشرفة، وفي النكاح، باب موعظة الرجل ابنته لحال زواجها، وباب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض، وفي اللباس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط، وفي خبر الواحد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، وباب قول الله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} ، ومسلم رقم (١٤٧٩) في الطلاق، باب الإيلاء واعتزال النساء، والترمذي رقم (٣٣١٥) في التفسير، باب ومن سورة التحريم، والنسائي ٤ / ١٣٧ و ١٣٨ في الصوم، باب كم الشهر. وفي الحديث من الفوائد: سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ، وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره، وترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل، وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه، وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لأجل إصلاحها لزوجها، وفيه سياق القصة على وجهها وإن لم يسأل السائل عن ذلك، إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وبيان، لاسيما إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك، وفيه البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي، وفيه ذكر العالم ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية وإن كان في ذلك حكاية ما يستهجن، وجواز ذكر العمل الصالح لسياق الحديث على وجهه، وبيان ذكر وقت التحمل، وفيه الصبر على الزوجات والإغضاء عن خطابهن والصفح عما يقع منهن من ذلك في حق المرء دون ما يكون من حق الله تعالى، وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بواباً يمنع من يدخل إليه بغير إذنه، وفيه أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصة عند الأمر يطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخرج إلى الناس وهو منبسط إليهم، فإن الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذن ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر، عظيم المنزلة عنده، وفيه أن المرء إذا رأى صاحبه مهموماً استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه، لقول عمر: لأقولن شيئاً يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك، كما فعل عمر، وفيه التجمل بالثوب والعمامة عند لقاء الأكابر، وفيه التناوب في مجلس العالم إذا لم تتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي، وفيه أن الأخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق، فإن جزم الأنصاري في رواية بوقوع التطليق، وكذا جزم الناس الذين رآهم عمر عند المنبر بذلك محمول على أنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي ⦗٤٠٩⦘ توهمه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن فأشاع أنه طلقهن، فشاع ذلك فتحدث الناس به، وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه، لقول عمر: ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات، وفيه كراهة سخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلاً، والاستغفار من وقوع ذلك، وطلب الاستغفار من أهل الفضل، وإيثار القناعة، وعدم الالتفات إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا الفانية.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح:
١-أخرجه أحمد (١/٣٣) (٢٢٢) قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر. و (البخاري) (١/٣٣ ٧/٣٦) قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب. وفي (٣/١٧٤) قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن عقيل. و (مسلم (٤/١٩٢) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن أبي عمر. قال ابن أبي عمر: حدثنا. وقال إسحاق: أخبرنا عبد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر. (الترمذي) (٢٤٦١و٣٣١٨) قال: حدثنا عبد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر. و (النسائى) (٤/١٣٧) قال: أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا أبي، عن صالح. (ح) وأخبرنا عمرو بن منصور، قال: حدثنا الحكم بن نافع قال: أنبأنا شعيب. وفي الكبرى (تحفة الأشراف) (٨/١٠٥٠٧) عن محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر. أربعتهم - معمر، وشعيب، وعقيل، وصالح - عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور.
٢- وأخرجه أحمد (٣٣٩) قال: حدثنا سفيان. و (البخاري) (٦/١٩٤، ٧/٤٤، ٩/١١٠) قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن بلال. وفي (٦/١٩٦) قال: حدثنا علي، قال: حدثنا سفيان. وفي (٦/١٩٧) قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان. وفي (٧/١٩٦) و (٩/١٠٩) قال: حدثنا سليمان بن حرب. قال: حدثنا حماد بن زيد. و (مسلم) (٤/١٩٠) قال: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سليمان، يعني ابن بلال. وفي (٤/١٩١) قال حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة. وفي (٤/١٩٢) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. قالا: حدثنا سفيان بن عيينة. أربعتهم - سفيان، وسليمان، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة - عن يحيى عن سعيد، عن عبيد بن حنين.
٣- وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٨٣٥) قال حدثنا محمد بن المثنى. و (مسلم) (٤/١٨٨) قال: حدثني زهير بن حرب. و (ابن ماجة) ٤١٥٣ قال: حدثنا محمد بن بشار. و (الترمذي) ٢٦٩١ قال: حدثنا محمود بن غيلان. و (ابن خزيمة) ١٩٢١، ٧٨ ٢١ قال: حدثنا محمد بن بشار. أربعتهم-ابن المثني، وزهير، وابن بشار، ومحمود - عن عمر بن يونس، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن سماك الحنفي أبي زميل.
٤- وأخرجه أبو داود (٥٢٠١) قال: حدثنا عباس العنبري. و (النسائى) في عمل اليوم والليلة (٣٢١) قال: أخبرنا الفضل بن سهل. كلاهما - عباس، والفضل - قالا: حدثنا أسود بن عامر، قال: حدثنا حسن بن صالح، عن أبيه عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير (مختصرا على السلام فقط) أربعتهم -عبيد الله، وعبيد بن حنين، وأبو زميل، وسعيد -عن ابن عباس فذكره.
ورواه ابن عباس عن عمر بن الخطاب أن رسول الله طلق حفصة ثم راجعها أخرجه عبد بن حميد (٤٣) قال: حدثني ابن أبي شيبة، قال حدثنا يحيى بن آدم. و (الدارمي) (٢٢٦٩) قال: حدثنا إسماعيل بن خليل وإسماعيل بن أبان. و (أبو داود) (٢٢٨٣) قال: حدثنا سهل بن محمد بن الزبير العسكري و (ابن ماجة) (٢٠١٦) قال: حدثنا سويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة ومسروق بن المرزبان. و (النسائي) (٦/٢١٣) قال: أخبرنا عبدة بن عبد الله، قال: أنبأنا يحيى بن آدم (ح) وأنبأنا عمرو بن منصور قال: حدثنا سهل بن محمد أبو سعيد.
سبعتهم - يحيى بن آدم، وإسماعيل بن خليل، وإسماعيل بن أبان، وسهل، وسويد، وعبد الله بن عامر ومسروق - عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح بن حي، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>