للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الكتاب الرابع: في الرياء]

٢٦٤٥ - (م ت س) شفي بن ماتع الأصبحي - رحمه الله -: «أَنه دخل المدينةَ، فَإِذا هو برجل قد اجتمع عليه الناسُ، فقال: من هذا؟ فقالوا: أَبو هريرة، فَدَنوتُ منه، حتى قعدت بين يديه، وهُوَ يُحَدِّثُ الناسَ، فَلَمَا سكتَ وخلا، قلتُ له: أَسأَلُكَ بحَقِّ وَحَقِّ، لمَا حَدَّثتَني حديثاً سمعتَه من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عَقَلْتَهُ وعَلِمْتَهُ، فقال أَبو هريرة: أَفْعَلُ، لأُحَدِّثَنَّكَ حديثاً حدَّثَنيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، عَقَلْتُهُ وعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبو هريرةَ نَشْغَة، فمكثْنا قليلاً، ⦗٥٣٩⦘ ثم أفاق، فقَالَ: لأُحَدِّثَنَّكَ حَديثاً حَدَّثنيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا البيت، ما معنا أَحدٌ غيري وغيرُه، ثمَّ نَشَغَ أبو هريرة نَشْغَة أخرى، ثُمَّ أَفَاقَ ومَسَحَ [عن] وَجْهِهِ، وقال: أَفعلُ، لأُحَدِّثَنَّكَ حديثاً حدَّثنيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، أَنَا وهوَ في هذا البيتِ، مَا مَعنا أَحَدٌ غَيري وغَيرَهُ، ثمَّ نشغ أبو هُريرةَ نَشْغَة شديدة، ثُمَّ مَالَ خَارّاً على وجهه، فَأسْنَدتُهُ طَويلاً، ثُمَّ أفَاقَ: فقال: حدَّثني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: أَن اللهَ إِذَا كانَ يومُ القِيامَةِ يَنزِلُ إِلى العِبَادِ ليَقْضِيَ بَينَهُم، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأوَّلُ مَن يَدعُو به رجلٌ جَمَعَ القُرآنَ، ورجُلٌ قُتِلَ في سبيل الله، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ اللهُ للقارئ: أَلم أُعَلِّمْكَ مَا أَنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى، يا ربِّ، قال: فما [ذا] عملتَ فيما علمتَ؟ قال: كنتُ أَقومُ به آناءَ الليل وآناءَ النهار، فيقولُ اللهُ لهُ: كَذَبتَ، وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللهُ لَهُ: بَل أَرَدْت أَن يُقَالَ: فُلانٌ قَارئ، وَقَدْ قِيلَ ذَلِك. ويُؤْتَى بِصَاحِبِ المالِ فيقولُ اللهُ: أَلم أُوَسِّعْ عليك، حتَّى لَم أَدَعْكَ تحتاجُ إِلى أَحَدٍ؟ قالَ: بَلى، يا ربِّ، قالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فيمَا آتَيتُكَ؟ قال: كنتُ أَصِلُ الرَّحِمِ، وَأَتَصَدَّق، فيقولُ الله لَهُ: كَذَبْتَ، وتَقُولُ لَهُ الملائِكَةُ: كَذبتَ، ويقولُ اللهُ: بَل أَردت أَن يُقالَ: فلانٌ جَوادٌ، فقيل ذلك. ثم يُؤتى بالذي قُتِلَ في سبيلِ الله، فيقول اللهُ: فيماذا قُتِلتَ؟ فيقولُ: أَمرتَ بالجهاد في ⦗٥٤٠⦘ سبيلِكَ، فقاتلتُ حتَّى قُتِلتُ، فيقولُ الله لَهُ: كَذَبتَ، وتقول له الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقولُ اللهُ: بَل أردتَ أَن يُقَالَ: فُلانٌ جَرِيءٌ، فقد قِيلَ ذلك، ثم ضَربَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- على رُكْبتي، فقال: يا أَبا هُريرة، أُولئك الثلاثة أَوَّلُ خَلقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهم النار يوم القيامة» .

قال الوليد أبو عثمان المدائني: فأخبرني عقبة بن مسلم: أن شُفَيّاً هو الذي دخل على معاوية فأَخبره بهذا.

قال أَبو عثمان: وحدَّثني العلاء بن أَبي حكيم: «أنَّهُ كان سَيَّافاً لِمُعاويةَ، فدخل عليه رجل، فأخبَرهُ بِهذَا عن أبي هريرة، فقالَ معاويةُ: قد فُعِلَ بهؤلاءِ هكذا، فَكَيفَ بِمَن بقي من النَّاسِ؟ ثم بَكَى معاوية بكاء شديداً، حتى ظَنَنا أَنَّهُ هَالِكٌ، وقُلنا: قد جاء هذا الرجلُ بِشرٍّ، ثُمَّ أَفاقَ معاويةُ، ومسحَ عن وجْهِهِ، وقال: صدقَ اللهُ ورسولُهُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنيَا وزِينَتها نُوَفِّ إِليهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذينَ لَيْسَ لَهُم في الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} [هود: ١٥، ١٦] . أَخرجه الترمذي (١) .

وذكر رزين رواية أتَمَّ من هذه بتقديم وتأخير، وزاد في آخِرها: ثم تَعَوَّذَ بالله من النار، وتلا: {أَنَّمَا إِلهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرجُو لِقَاءَ ⦗٥٤١⦘ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَملاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: ١١٠] » .

وفي رواية مسلم، والنسائي، عن سليمان بن يَسار: قال: تَفَرَّقَ الناسُ عن أبي هريرة، فقال [له] ناتِلٌ أَخو أَهل الشام (٢) : أيُّها الشيخُ حَدِّثني حديثاً سمعتَه من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: نعم، سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ أولَ النَّاسِ يُقْضَى يومَ القيامةِ عليه: رجلٌ استُشْهِدَ، فأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفهُ نِعَمَهُ، فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استُشْهِدتُ، فقال: كذبتَ، ولكنكَ قاتلتَ لأن يقالَ: جَرِيءٌ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به، فَسُحِبَ على وَجْهِهِ، حتى أُلقيَ في النَّارِ. ورجلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وقرأَ القرآن، فَأُتيَ به، فعرَّفهُ نِعَمَهُ فَعرفَهَا، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تَعلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمْتُهُ، وقرأْتُ فيكَ القرآنَ، قال: كذبتَ، ولكنكَ تعلَّمْتَ [العلم] ليقال: عالمٌ، وقرأتَ [القرآن] ليقال: [هو] قارئ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِرَ به، فَسُحِبَ على وجهه، حتى أُلقيَ في النَّارِ، ورجلٌ وسَّعَ اللهُ عليه، وأَعطَاهُ من أَصنافِ المال [كُلِّهِ] ، فأُتيَ بِهِ فعرَّفهَ نِعَمه، فعرفها، قال: فما عَمِلْت فيها؟ ⦗٥٤٢⦘ قال: ما تَركتُ من سبيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنفَق فيها [إِلا أَنفقتُ فيها] لك، قال: كذبتَ، ولكنكَ فعلت ليُقَال: هو جَوادٌ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه ثم أُلقيَ في النَّارِ» (٣) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(لمَّا حدثني) : لمَّا إن كانت مشددة كانت بمعنى «إلا» وإن كانت مخففة كانت ما زائدة، واللام لام القسم، أو التوكيد.

(نشغ نشغة) : النشغ الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي، وإنما يفعله الإنسان أسفاً على فائت، وشوقاً إلى ذاهب.

(جواد) : الجواد: الكريم السخي.

(جريء) : فاعل من الجرأة، وهي الإقدام في الحرب وغيره.

(تُسَعَّر) : أي توقد.


(١) وفي سنده عند الترمذي الوليد بن أبي الوليد المدني أبو عثمان، وهو لين الحديث، ولكن يشهد له من جهة المعنى حديث مسلم والنسائي.
(٢) كذا في الأصل، وفي نسخ مسلم المطبوعة " ناتل أهل الشام " قال النووي في " شرح مسلم ": هو ناتل ابن قيس الحزامي الشامي، من أهل فلسطين، وهو تابعي، وكان أبوه صحابياً، وكان ناتل كبير قومه، وهو بنون في أوله وبعد الألف تاء مثناة من فوق.
(٣) رواه مسلم رقم (١٩٠٥) في الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، والترمذي رقم (٢٣٨٣) في الزهد، باب ما جاء في الرياء والسمعة، والنسائي ٦ / ٢٣ و ٢٤ في الجهاد، باب من قاتل ليقال: فلان جريء.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد صفحة (٤٢) قال: حدثنا محمد. والترمذي (٢٣٨٢) قال: حدثنا سويد بن نصر. والنسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (١٠/١٣٤٩٣) عن سويد بن نصر. وابن خزيمة (٢٤٨٢) قال: حدثنا عتبة بن عبد الله.
ثلاثتهم (محمد - غير منسوب -، وسويد، وعتبة) عن عبد الله بن المبارك. قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: حدثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدني. أن عقبة بن مسلم حدثه، أن شفيّا الأصبحي حدثه، فذكره.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وبنحوه أخرجه أحمد (٢/٣٢١) قال: حدثنا حجاج. ومسلم (٦/٤٧) قال: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي. قال: حدثنا خالد بن الحارث. (ح) وحدثناه علي بن خشرم. قال: أخبرنا الحجاج، يعني ابن محمد. والنسائي (٦/٢٣) قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى. قال: حدثنا خالد. وفي «فضائل القرآن» (١٠٨) قال: أخبرنا عبد الحميد بن محمد. قال: أخبرنا مخلد.
ثلاثتهم - حجاج بن محمد، وخالد بن الحارث، ومخلد بن يزيد - عن ابن جريج. قال: حدثني يونس ابن يوسف، عن سليمان بن يسار، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>