للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غزوة الحُدَيْبِيَة

٦١٠٨ - (خ د) عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - عن المِسْوَر بن ⦗٢٨٧⦘ مَخْرَمَة ومَرْوان - يُصدِّق كلُّ واحد منهما حديث صاحبه - قالا: «خرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- زَمَن الحُدَيْبِيَةِ، حتى إِذا كانوا ببعض الطريق قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ خالدَ بنَ الوليد بالغَمِيم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذاتَ اليمين، فوالله ما شَعَر بهم خالد، حتى إذا همَّ بقَتَرة الجيش، فانطلق يركُضُ نذيراً لقريش، وسار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان بالثَّنِيَّة التي يُهْبَطُ عليهم منها بَرَكَتْ به راحلتُهُ، فقال الناس: حَلْ حَلْ، فألَحَّتْ، فقالوا: خَلأَتِ القَصوَاءُ، خَلأَتِ القصواءُ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: ما خلأتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حَبَسها حَابِسُ الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطَّة يعظّمون فيها حُرُماتِ الله إلا أعطيتُهم إِياها، ثم زجرها، فوثَبَتْ، قال: فَعَدَلَ عنهم حتى نزل بأقصى الحُدَيبية على ثَمَد قليلِ الماء، يَتَبَرَّضُه الناسُ تَبرُّضاً، فلم يلبثِ الناسُ حتى نزحوه، وشُكِيَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- العطشُ، فانْتَزَع سهماً من كِنانَتِه، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرّيِّ حتى صَدَرُوا عنه، فبينا هم كذلك إذْ جاءَ بُدَيلُ بنُ وَرْقَاءَ الخزاعيُّ في نفر من قومه من خُزاعةَ - وكانوا عَيْبَةَ نُصْحِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- من أهل تِهامةَ - فقال: إني تركْتُ كَعْبَ بنَ لُؤيّ وعامرَ بن لؤيّ نزلوا أعدادَ مياه الحديبية، معهم العُوذُ المطَافِيل، وهم مقاتلوك، وصادُّوك عن البيت، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إِنا لم نجئْ لقتالِ ⦗٢٨٨⦘ أحد، ولكنا جئنا مُعتمِرين، وإنَّ قريشاً قد نَهَكَتْهُم الحربُ، وأضرَّتْ بهم، فإِن شاؤوا مَادَدْتُهم مُدَّة، ويُخَلُّوا بيني وبين الناس، فإن أَظْهرْ عليهم، فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا، وإن هم أَبَوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنَّهم على أمري هذا، حتى تَنْفَرِدَ سَالِفَتي، ولَيُنْفِذَنَّ الله أمرَه، فقال بُديل: سأُبلِّغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشاً، فقال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل، وقد سمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرِضَهُ عليكم فَعَلْنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجةَ لنا أن تُخبرَنا عنه بشيء، وقال ذَوُو الرأي منهم: هاتِ ما سمعتَه يقول، قال: سمعتُه يقول كذا وكذا - فحدَّثهم بما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- فقام عروةُ بنُ مسعود، فقال: أي قوم، ألَسْتُم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أَوَلَسْتُ بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتَّهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني اسْتَنْفَرْتُ أهلَ عُكاظ، فلما بَلَّحوا عليَّ جئتُكم بأهلي وولدي ومن أطاعَني؟ قالوا: بلى، [قال] : فإن هذا قد عرض عليكم خُطَّة رُشْد، اقْبلوها، ودعوني آتِهِ، قالوا: ائْتِهِ، فأتاه، فجعل يكلِّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- نحواً من قوله لبُديل، فقال عروةُ عند ذلك: أيْ محمدُ، أرأيتَ إِن اسْتَأصَلْتَ أمر قومك، هل سمعتَ بأحد من العرب اجْتَاحَ أصلَه قَبْلَكَ؟ وإن تكن الأخرى، فإني واللهِ لأرَى وجوهاً، وإني لأرى أَوشاباً من الناس، لَخَلِيقاً أن يَفِرُّوا ⦗٢٨٩⦘ ويَدَعُوكَ، فقال له أبو بكر: امْصُصْ بِبَظْرِ اللات، أنحنُ نَفِرُّ عنه وَنَدَعُهُ؟ فقال: مَن ذَا؟ قالوا: أبو بكر، فقال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لكَ عندي لم أَجْزِك بها لأجبْتُك، قال: وجعل يكلِّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-، فكلما كلَّمه أخذ بلحيته، والمغيرةُ بنُ شُعبةَ قائم على رأس النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، ومعه السيف، وعليه المِغْفَرُ، فكلما أهْوَى عروةُ بيده إلى لحيةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- ضرب يدَه بنَعْل السيف، وقال: أَخِّرْ يَدَك عن لحية رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فرفع عُروةُ رأسَهُ، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أيْ غُدَرُ ألستُ أَسْعَى في غَدْرتِكَ؟ - وكان المغيرةُ صحب قوماً في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: أمَّا الإسلامُ فأقبلُ، وأمَّا المالُ فلستُ منه في شيء - ثم إن عروةَ جعلَ يَرْمُقُ أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- بعينه، قال: فوالله ما تَنَخَّمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- نُخامة إلا وقعتْ في كفّ رجل منهم فدَلَك بها وجهه وجِلْدَه، وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيماً له، فرجع عروةُ إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وَفدتُ على الملوك، وَوَفَدْتُ على كسرى وقيصرَ والنجاشيِّ، والله إِنْ رأيتُ مَلِكا قَطُّ يُعظِّمُهُ أصحابُهُ ما يعظِّمُ أصحابُ محمدٍ محمداً، والله إِنْ تَنخَّم نُخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فَدَلَكَ بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على ⦗٢٩٠⦘ وَضوئه، وإِذا تكلَّم خَفَضُوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدُّون إِليه النظر تعظيماً له، وإنه قد عَرَضَ عليكم خُطَّةَ رُشْد فاقبلوها، فقال رجل من بني كِنانة: دعوني آتِه، فقالوا: ائْتِه، فلما أشرف على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- هذا فلان، وهو من قوم يُعظِّمون البُدْنَ، فابعثوها له [فَبُعِثت له] واستقبله الناسُ يُلبّون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاءِ أن يُصَدُّوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيتُ البُدْنَ قد قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ، فما أرى أن يُصَدُّوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له: مِكْرَزُ بنُ حفص، فقال: دعوني آتِه، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: هذا مِكْرَزُ بنُ حفص، وهو رجل فاجر، فجعل يكلِّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-، فبينا هو يكلِّمه، [إذْ] جاء سُهيل بن عمرو - قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة: أنه لما جاء سهيل، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: قد سَهُل لكم من أمركم.

قال معمر: قال الزهريُّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو، فقال: هاتِ اكْتُبْ بيننا وبينك كتاباً، فدعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- الكاتب، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم، كما كنتَ تكتبُ، فقال المسلمون: والله لا نكتُبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- اكتبْ: باسمك اللهم.

ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسولُ الله، فقال ⦗٢٩١⦘ سهيل: والله لو كُنَّا نعلم أَنَّكَ رسولُ الله ما صَدَدْناكَ عن البيت، ولا قاتَلْناكَ، ولكن اكتب: محمدُ بنُ عبد الله، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: والله إني لرسولُ الله، وإن كذَّبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله - قال الزهريُّ: وذلك لقوله: لا يسألوني خُطّة يُعَظِّمون فيها حرمات الله إِلا أَعطيتُهم إياها - فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: على أن تُخَلُّوا بيننا وبين البيت فنطوفَ به، فقال سهيل: والله لا تَتَحدَّثُ العربُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنَّهُ لا يأتيك مِنَّا رَجُل - وإن كان على دِينِكَ - إلا رَدَدْتَه إلينا، قال المسلمون: سبحان الله! كيف يُرَدُّ إلى المشركين، وقد جاء مسلماً؟ فبينا هم كذلك، إذْ جاء أَبو جَنْدَل بنُ سُهيل بن عمرو يَرْسُفُ في قيوده، وقد خرج من أسفل مكةَ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أُقاضيك عليه: أَنْ تردَّهُ إليَّ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: إنا لم نَقْضِ الكتاب بعدُ، قال: فوالله إِذاً لا أُصالحك على شيء أبداً، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: فأجِزْه لي، قال: ما أَنا بمُجيزِهِ لك، قال: بلى [فافعل] ، قال: ما أنا بفاعل، قال مِكْرَزُ بنُ حفص: بلى، قد أجزناهُ لكَ، قال أبو جندل: أيْ معشر المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلماً؟ ألا تَرَوْنَ ما قد لقيتُ؟ - وكان قد عُذِّبَ عذاباً شديداً في الله - فقال عمرُ بنُ الخطاب: فأتيتُ نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: ألستَ نبيَّ الله حقّاً؟ قال: بلى، قلتُ: أَلسنا ⦗٢٩٢⦘ على الحقِّ وعدوُّنا على الباطل؟ قال: بلى، قلتُ: فلم نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في ديِننا إذاً؟ قال: إني رسولُ الله، ولستُ أعصيه، وهو ناصري، قلتُ: أو ليس كنتَ تحدِّثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، قال: فأخبرتُكَ أنكَ تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومُطَّوِّف به، قال: فأتيتُ أبا بكر، فقلتُ: يا أبا بكر، أليس هذا نبيَّ الله حقّاً؟ قال: بلى، قلتُ: ألسنا على الحق، وعدُّونا على الباطل؟ قال: بلى، قلتُ: فلم نُعْطِي الدَّنيّةَ في دِيننا إذاً؟ قال: أيُّها الرجل، إنَّهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، وليس يَعصي ربَّه، وهو ناصرُهُ، فاسْتَمْسِكْ بِغَرْزهِ، فواللهِ إنَّهُ على الحقِّ، قلتُ: أوَليس كان يحدِّثنا: أنَّا سنأتي البيتَ ونطوفُ بهِ؟ قال: بلى، أفأخبرَك أنه يأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومُطَّوِّف به؟ قال عمرُ: فَعَمِلْتُ لذلك أعمالاً، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: قُوموا فانحروا، ثم احْلِقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يَقُمْ منهم أحد دخل على أُمِّ سَلَمَةَ، فذكر لها ما لَقيَ من الناس، قالتْ أُمُّ سلمةَ: يا نبيَّ الله، أَتُحِبُّ ذلك؟ اخرج، ولا تكلِّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حَالِقَكَ فيحلقك، فخرج فلم يكلِّم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحرَ بُدْنَه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يَحْلِقُ بعضاً، حتى كادَ بعضُهم يقتُل بعضاً غمّاً، ثم جاءه نِسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ⦗٢٩٣⦘ إذَا جَاءَكُم المؤمِناتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بإيمانِهِنَّ فإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ولا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهم ما أنفقوا ولا جُنَاح عليكم أن تنكحوهن إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ولا تُمْسِكُوا بعِصَمِ الكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] فطلَّق عمرُ يومئذ امرأتين كانتا له في الشِّركِ، فتزوج إحداهما معاويةُ بنُ أبي سفيان، والأخرى صفوانُ بن أُميَّةَ، ثم رجع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فجاءه أبو بَصير - رجل من قُريش - وهو مسلم، فأرسَلوا في طلبه رَجُلَيْنِ، فقالوا: العَهْدَ الذي جعلتَ لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى بلغَا ذا الحُلَيفةِ، فنزلوا يأكلون من تَمْر لهم، فقال أَبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سَيْفَكَ هذا جَيِّداً، فاستلَّهُ الآخَرُ، فقال: أجَلْ، والله إنه لَجيِّد، لقد جَرَّبتُ به، ثم جَرَّبتُ، فقال أبو بصيرُ: أرني أنظرْ إليه، فأمكنَه منه، فضربه حتى برد، وفرَّ الآخرُ حتى أتى المدينةَ، فدخل المسجدَ يعدُو، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- حين رآه: لقد رأى هذا ذُعْراً، فلما انتهى إِلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- قال: قُتِل والله صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال: يا نبيَّ الله، قد [والله] أوْفَى الله ذِمَّتَكَ، قد رددتني إِليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: ويلُ امِّه، مِسْعَرُ حَرْب، لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عَرَفَ أنه سَيَرُدُّه إليهم، فخرج حتى أتى سِيفَ البحر، قال: وينفلتُ منهم أبو جَنْدل بنُ سهيل فلحق بأبي بصير، فكان لا يخرج من ⦗٢٩٤⦘ قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعتْ منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بِعِير خرجتْ لقريش إلى الشام، إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إِلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، تُنَاشِدُهُ الله والرَّحِمَ لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-[إليهم] ، فأنزل الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُم وَأَيْدِيَكُم عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً. هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكمْ عَنِ المَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَديَ مَعْكُوفاً أنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤمِنُونَ ونِسَاءٌ مُؤمِنَاتٌ لَمْ تعلموهم أَنْ تَطَؤوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ في رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً. إِذْ جَعلَ الَّذينَ كَفَرُوا في قُلوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِليَّةِ} [الفتح: ٢٤ - ٢٦] وكانت حَمِيَّتُهمْ: أَنَّهُم لم يُقِرُّوا أنه نبيُّ الله، ولم يُقِرُّوا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت» .

وقال عُقَيل عن الزهري: قال عروةُ: فأخبرتني عائشةُ: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- «كان يمتحنُهنَّ» .

وبلغنا (١) أنه لما أَنْزَلَ الله أن يَرُدُّوا إلى المشركين ما أنفقوا على مَنْ هاجر من أزواجهنَّ (٢) وحكم على المسلمين أن لا يُمْسِكوا بِعِصَمِ الكوافِر: أنَّ ⦗٢٩٥⦘ عُمر طلَّق امرأتين: قُرَيبَةَ بنتَ أبي أميَّةَ، وابنةَ جَرْول الخزاعيِّ، فتزوجَ قُرَيبةَ معاويةُ، وتزوج الأُخرى أبو جَهْم، فلما أبى الكفارُ أن يُقرُّوا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم، أنزل الله عز وجل {وَإن فَاتَكُم شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُم إِلى الكفَّار فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: ١١] ، والعَقِبُ: ما يُؤدِّي المسلمون إِلى مَن هاجرت امرأتُه من الكفار، فأمَرَ أن يُعطَى مَن ذهب له زوج من المسلمين ما أنفقَ من صَدَاقِ نِسَائه الكفارِ اللاتي هاجرن، وما نعلم أحداً من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها.

قال: وبلغنا: «أن أبا بصير بن أَسِيد الثقفي قَدِمَ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- مؤمناً مُهَاجراً في المدة، فكتبَ الأخنسُ بنُ شَريق إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- يسأَله أبا بصير ... » فذكر الحديث.

وفي رواية: أن عروةَ سمع مَرْوان والمِسْور يُخْبِرَان عن أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لما كاتبَ سُهيلُ بنُ عمرو يومئذ، كان فيما اشترط سُهَيْل على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: أنه لا يأتيكَ مِنَّا أَحَد وإن كان على دِينكَ إِلا رددتَه إِلينا، وخلَّيتَ بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه، وأبى سُهَيْل إلا ذلك، فكاتبه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فردَّ يومئذ أبا جندل إلى أبيه سُهيْلِ بن عمرو، ولم يأتِهِ أحد من الرجال إلا رَدَّهُ في تلك المدَّةِ وإن كان مسلماً، ⦗٢٩٦⦘ وجاء المؤمناتُ مهاجرات، وكانت أمُّ كلثوم بنتُ عُقبةَ بن أبي مُعيط ممن خرج إِلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- يومئذ وهي عاتق، فجاء أهلُها يسألون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- أن يَرْجِعَها إليهم، فلم يَرْجِعْها إليهم، حتى أنزل الله فيهنَّ {إذَا جَاءَكم المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بإِيمَانِهِنَّ فإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] .

قال عروةُ: فأخبرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان يمتحنُهنَّ بهذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إذَا جَاءكُمُ المُؤمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بإِيمَانِهِنَّ فإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ علَيْكمْ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُم بَيْنَكمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلَى الكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبتْ أزْوَاجُهُمْ مِثلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ. يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إذَا جَاءكَ المُؤْمِناتُ يُبَايِعْنكَ على أنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ ⦗٢٩٧⦘ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَينَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينكَ في مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ واسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: ١٠ - ١٢] .

قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرَّت بهذا الشرط منهنَّ، قال لها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- قد بايعتُكِ كلاماً يُكلّمها به، والله ما مَسَّتْ يَدُه يدَ امرأة قَطُّ في المُبايعة، ما بايعهنَّ إِلا بقوله» .

وفي رواية عبد الرزاق مختصرة من حديث المسور وحدَه «أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- نحر قَبْلَ أن يَحْلِقَ، وأمر بذلك أصحابه» .

وفي رواية عن عروة «أنه سمع مَرْوَانَ والمِسْوَرَ يخبِران خبراً من خَبَرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- في غزوة الحديبية ... فذكر نحو الرواية التي قبلها» ولم يقل: «عن أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-» .

وفي حديث سفيان الذي ثبَّته فيه معمر عن الزهريِّ: أنَّ المسورَ بن مخرمةَ ومَروانَ - يزيدُ أحدُهما على صاحبه - قالا: «خرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- في بضع عشرةَ مائة من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، فلما أَتى ذَا الحليفةَ قَلَّدَ الهدْيَ وأشْعَرْهُ، وأحرم منها بعمرة، وبعث عَيْناً له من خُزاعة، وسار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا كان بغدِير الأشظاظ (٣) تلقَّاه عَينُه، فقال: إن قريشاً جمعوا لكَ جموعاً، وقد جمعوا لك الأحابيشَ، وهم مُقاتِلوكَ، وصادُّوكَ عن البيتِ ⦗٢٩٨⦘ ومانِعوك، فقال: أَشيروا أيُّها الناس عليَّ، أتَرون أن أميلَ على عيالهم وذراريِّ هؤلاء الذين يريدون أن يَصُدُّونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله قد قطع جَنْباً (٤) من المشركين، وإلا تركناهم محروبين، قال أبو بكر: يا رسولَ الله، خرجتَ عامداً لهذا البيت، لا تريدُ قِتال أحد، ولا حربَ أحد، فتوجَّهْ له، فمن صدّنا عنه قاتلناه، قال: امضوا على اسم الله» .

وفي رواية طرف من أوله، قالا: «خرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- من المدينة في بضع عشرةَ مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحُليفة قلّد الهَدْي، وأشعر [هـ] ، وأحرمَ بالعمرة» لم يزد.

زاد في أخرى: «وأحرم منها» ، لا أُحصي كم سمعتُه من سفيان (٥) ، حتى سمعتُه يقول: لا أحفظ من الزهريِّ الإشعارَ والتقليدَ، قال: فلا أدري - يعني موضع الإشعار والتقليد، أو الحديثَ كلَّه؟ هذه روايات البخاري.

وفي روايات أبي داود طرف منه أخرجه في «كتاب السُّنَّة» عن المسورِ بنِ مخرمةَ، قال: «خرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- زمنَ الحديبية ... » فذكر الحديث، كذا قال أبو داود: فذكر الحديث - قال: «فأتاه - يعني عُروةَ بنَ مسعود - فجعل يكلِّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-، فَكُلَّما كلَّمه أخذ بلحيته، والمغيرةُ بنُ شعبةَ قائم على رأَس النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، ومعه السيفُ، وعليه المِغْفَرُ، فضربَ يَدَهُ بنعل ⦗٢٩٩⦘ السيف، وقال: أَخِّرْ يدك عن لحيته، فرفع عروةُ رأسَهُ، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرةُ بنُ شعبةَ» .

وأخرج أيضاً في «كتاب الجهاد» بعضه، وهذا لفظه قال: «خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية في بضع عَشرةَ مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلَّد الهَدْيَ وأشعره، وأحرمَ بالعمرة ... » وساق الحديث، هكذا قال أبو داود: ... وساق الحديث حتى إذا كان بالثنيَّة التي يُهبَطُ عليهم منها بَرَكَتْ به راحلتُه، قال الناسُ: حَلْ حَلْ، خَلت القصواء، مرتين، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: ما خَلت القصواءُ وما ذاك لها بخُلُق، ولكنْ حَبسها حابسُ الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألونِّي اليوم خُطّة يعظِّمون بها حُرُماتِ الله عز وجل إلا أعطيتهُم إِياها ثم زجرها فوثبتْ، فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَدٍ قليلِ الماء، فجاء [هـ] بُديلُ بنَ ورْقاءَ الخزاعيُّ، ثم أتاه - يعني عُروةَ بنَ مسعود - فجعل يكلِّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-، فكُلَّمَا كلَّمَهُ أخذ بلحيته، والمغيرةُ بنُ شعبةَ قائم على رأس النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، ومعه السيفُ، وعليه المِغْفَرُ، فضرب يده بنعل السيف، وقال: أخِّرْ يدك عن لحيته، فرفع عُرْوَةُ رأسَهُ، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرةُ بنُ شعبة، قال: أيْ غُدَرُ، أولستُ أسعى في غَدْرتِكَ؟ وكان المغيرةُ صحب قوماً في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: أمَّا الإسلامُ فقد قَبِلْنَا، وأمَّا المالُ: فإِنه مَالُ غدر، لا حاجةَ ⦗٣٠٠⦘ لنا فيه ... وذكر الحديث، كذا قال أبو داود، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ... وقَصَّ الخبر - فقال سُهيل: وعلى أنه لا يأتيكَ مِنَّا رجل وإن كان على دِينكَ إلا رددتَه إلينا، فلما فرغ من قضية الكتاب قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا، ثم جاء نِسْوَة مؤمنات، مُهاجرات ... الآية (٦) ، فنهاهم الله أن يردُّوهنَّ، وأمرهم أن يردُّوا الصَّدَاقَ، ثم رجع إِلى المدينة، فجاء أبو بَصير - رجل من قريش - يعني: أرسلوا في طلبه، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى إذا بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بَصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفَك هذا يا فلانَ جيِّداً، فاستلَّه الآخَرُ، فقال: أجل، قد جَرَّبْتُ به، فقال أبو بصير: أرني أنظرْ إِليه، فأمكنه منه، فضربه حتى بَرَد، وفرّ الآخرُ، حتى أتى المدينةَ، فدخل المسجد يعدو، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: لقد رأى هذا ذُعْراً، فقال: قُتِلَ واللهِ صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال: قد أوفى الله ذِمَّتَكَ، وقد رددتَني إليهم، ثم نجَّاني الله منهم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: ويلُ امِّه، مِسْعَر حرب، لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيردُّه إليهم، فخرج إليهم حتى أتى سِيفَ البحر، وينفلتُ أبو جَنْدل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة.

⦗٣٠١⦘

وأخرج أبو داود أيضاً عن المسور ومروان «أنهم اصطلحوا على وَضع الحرب عشرَ سنين، يأمَنُ فيهنَّ الناسُ، وعلى أن بيننا عَيْبةً مكفوفة وأنه لا إِسلال ولا إغلال» (٧) .

وذكر رزين في رواية زيادة في حديث البخاري بعد قوله: «اكتب: باسمك اللهم» قال: وفي رواية قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- «اكتب الشرط بيننا وبينهم: بسم الله الرحمن الرحيم ... وذَكَرَ مِثْلَ ما تقدَّم» ، وزاد بعد قوله: «كيف يُردُّ إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟» قال: وفي رواية زيادة «فكيف نكتبُ هذا؟ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: نعم، مَن ذهب منا إليهم أبعدَهُ الله، ومن جاءنا منهم ورددناه، سيجعل الله له فرجاً» وزاد بعد قوله: «وقد كان عُذّب عذاباً شديداً في الله» ، قال: «فقال عمرُ بنُ الخطاب: فأمكنتُ يدَه من السيف ليضرب به أباه، فَضَنَّ به، وعلم بذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال لي: يا عمر، لعلَّه أن يقوم في الله مقاماً يحمدُه عليه» (٨) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(قَتَرَة الجيش) : هو الغُّبار الساطع منه، ولا تكون القَتَرةُ إلا مع سوادٍ في اللون. ⦗٣٠٢⦘

(نذيرٌ) النذير: الذي يُعلم القومَ بالأمر الحادث.

(بالثنيَّة) الثَّنيَّةُ: الطريق المرتفع في الجبل.

(حَلْ حَلْ) زجر للناقة، و «حَوْب» زجر للجمل.

(فألحت) أَلَحّ البعير: إذا حَرَن، وقيل: إنما يقال ذلك للجمل، فأما الناقة فإنما يقال لها: خَلأَت.

(القصواء) القصواء: اسم ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم-، ولم تكن قصواء، أي: مشقوقة الأذن، وإنما كان هذا لقباً لها.

(حابس الفيل) الفيل: هو فيل أبرهة الذي جاء يقصد البيت ليخرِّبه، فحبس الله الفيل، فلم يتقدَّم إلى مكة، وردَّ رأسه راجعاً من حيث جاء، فأرسل الله عليهم كما قال: {طيراً أبابيل. ترميهم بحجارة من سِجِّيل} والقصة مشهورة.

(خُطة) الخطة: الحال والقضية والطريقة.

(حُرُمات الله) حرمات الله: جمع حرمة، يريد بها: حُرْمة الحرم، وحرمة الإحرام، وحرمة الشهر الحرام. (يتبرَّض) التَّبرُّض: أخذ الشيء قليلاً قليلاً، وهو أيضاً التَّبَلُّغ بالشيء القليل.

(ثَمَد) الثمد: الماء القليل الذي لا مادة له. ⦗٣٠٣⦘

(يجيش) جاشت البئر بالماء: [إذا] ارتفعت وفاضت، وجاشت القِدر: إذا غَلَت.

(بالرِّي) الرَّيُّ: ضد العطش.

(صَدَروا) الصَّدَرُ: الرُّجوعُ بعد الورود.

(عَيْبة نُصح) يقال: فلانٌ عيبة نُصح فلان: إذا كان موضَع سِرِّه وثِقَتِهِ في ذلك.

(أعداد مياه) الماء العدُّ: الكثير الذي لا انقطاع لمادته، كماء العيون، وجمعه: أعداد.

(العُوذ) جمع عائذ: وهي الناقة إذا وضعت إلى أن يقوى وَلَدها.

(المطافيل) جمع مُطْفِل، وهي الناقة معها فصيلها، فاستعار ذلك للناس، أراد به النساء والصبيان.

(نَهَكَتْهم الحرب) يقول: نهكته الحرب تنهكه، أي: أضرت به وأثَّرت فيه، من نَهْك الحُمَّى، وهو ألمها وضررها.

(ماددتهم) ماددتَ القوم، أي: جعلت بينك وبينهم مُدَّة.

(جَمُّوا) : استراحوا، والجمام: الراحة بعد التعب.

(سالفتي) السالفة: صفحة العنق، وانفرادها كناية عن الموت، لأنها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت. ⦗٣٠٤⦘

(استنفرت) القومَ: دعوتهم إلى قتال العدو.

(بَلَّحُوا) أصل التبليح: الإعياء والفتور، والمراد: امتناعهم من إجابته وتقاعدهم به، وفيه لغة أخرى «بَلَحُوا» بالتخفيف.

(قد قُلِّدت) تقليد البُدْنِ: هو أن يجعل في رقابها شيء كالقلائد من لحاء الشجر، أو غيره، ليعلم أنها هَدْي.

(اجتاح) الاجتياح: إيقاع المكروه بالإنسان، ومنه الجائحة، والاجتياح والاستئصال متقاربان في مبالغة الأذى.

(أشوَاباً) الأشواب والأوباش والأوشاب: سواء، وهم الأخلاط من الناس والرَّعاع.

(خطة) يقال: خطة رشد، وخطة غَيّ، والرشد: خلاف الغَيِّ والضلال، والمراد: أنه قد طلب منكم طريقاً واضحاً في الهدى والاستقامة.

(خليقاً) يقال: فلان خليق بكذا، أي: جدير، لا يبعد ذلك من خُلُقه.

(امصص ببظر اللات) اللات: صنم كانوا يعبدونه.

(والبظر) : ما تقطعه الخافضة من الهنة التي تكون في فرج المرأة، وكان هذا شتماً لهم يدور في ألسنتهم. ⦗٣٠٥⦘

(فاجر) أصل الفجور: الميل عن الحق والتكذيب به، وكل انبعاث في شر فهو فجور.

(لولا يد) اليد: النِّعمَة، وما يمتنُّ الإنسان به على غيره.

(المغفر) : ما يلبسه الدَّارع على رأسه من الزَّرَدِ.

(غُدَر) : معدول عن غادر، وهو بناء للمبالغة.

(نخامة) النُّخامة: البصقة من أقصى الحلق.

(يُحِدُّونَ) أحددتُ إليه النظر: إذا ملأت عينك منه ولم تهبه، ولا استحييت منه.

(على وَضوئِه) الوَضوء، بفتح الواو: الماء الذي يُتوضَّأُ به.

(البُدْن) : الإبل التي تُهدى إلى البيت في حج أو عمرة.

(قاضَى) : فاعل، من القضاء، وهو إحكام الأمر وإمضاؤه، قال الأزهري: «قضى» في اللغة على وجوه، مَرْجِعها إلى انقطاع الشيء وتمامه.

(ضُغْطَة) الضُّغطة: القهر والضيق.

(يَرسُفُ) رسف المقيَّد في قيده: إذا مشى فيه.

(فأجزه لي) يجوز أن يكون بالزاي والراء، فأما بالزاي: فمعناه من الإجازة، أي: اجعله جائزاً غير ممنوع، ولا محرَّم أو غيره، وأطلقه، وإن ⦗٣٠٦⦘ كان بالراء المهملة: فمعناه من الإجارة: الحماية والحفظ، وكلاهما صالح في هذا الموضع.

(الدَّنِيَّة) : القضية التي لا يُرضى بها ولا تُراد.

(بغرزه) الغرز: الكور للناقة، كالرِّكاب لسرج الفرس، إلا أنه من جلد، فإذا كان من حديد أو خشب: فهو ركاب.

(وَيلُ امِّهِ مِسْعَرُ حَرْب) مسعر الحرب: مُوقِدها، يقال: سعرتُ النار وأسعرتُها: إذا أوقدتها، والمِسعَر: الخشب الذي توقَد به النار، وقوله: «ويل امه» كلمة يتعجَّب بها.

(سِيفُ البحر) : جانبه وساحله.

(بِعصَم الكَوافِر) العِصَم: جمع عِصمَة، وهو ما يتمسَّك به، والكوافر: جمع كافرة، وأراد بعصمها: عقد نكاحها.

(امتَعَضُوا) الامتعاض: كراهيةُ الشيء والغيظ منه.

(العاتق) من الجواري: التي أدركت فَخَدِرَتْ.

(الأحابيش) : الجماعات المجتمعة من قبائل شَتَّى متفرقة.

(جَنْباً) الذي جاء في كتاب الحميدي «كان الله قد قطع جنباً من المشركين» وشرحه في غريبه فقال: الجنب: الأمر، يقال: ما فعلت هذا في جَنب حاجتي، إلا في أمر حاجتي، والجنب: القِطعةُ من الشيء تكون ⦗٣٠٧⦘ معظمه، أو شيئاً كثيراً منه، والذي جاء في كتاب البخاري «قد قطع عيناً من المشركين» فإن صحت الرواية ولم تكن غلطاً من الناسخ: فيكون معناه - والله أعلم- من العين: الجاسوس، أي: كفى الله منهم [من] كان يرصُدنا، ويتجسَّس علينا أخبارنا.

(محروبين) المحروب: المسلوب، يقال: حُرِبَ فلان ماله: إذا سُلِبَهُ.

(خَلَتِ القصواء) قد جاء في هذه الرواية «خلت القصواءُ» بترك الهمزة، واللغة «خَلأَت» فإن صحت الرواية: كان قد خفف الهمزة، وهو مذهب مشهور في العربية.

(عيبة مكفوفة) المكفوفة: المشرجة والمشدودة (٩) ، والعيبة هاهنا: مثل، والمعنى: بيننا صدور سليمة، وعقائدُ صحيحة في المحافظة على العهد الذي تعاهدنا، والعقد الذي عقدنا، وقد يُشبَّه صدر الإنسان - الذي هو مستودع سَرِّه وموضع مكنون أمره بالعَيبة التي يودِعها متاعَه، ويصون فيها ثيابه.

(لا إسلال ولا إغلال) الإسلال: من السَّلَّة، وهي السرقة، والإغلال: الخيانة، يقال: أغلَّ الرجل إغلالاً: إذا خان، وغل من الغَنيمة غلولاً، وقال بعضهم: إن الإسلال من سلّ السيوف في الحرب، والإغلال: لبس الدروع، وليس بمرضٍ. ⦗٣٠٨⦘

(مقاماً يحمَده عليه) هذا القول من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- في حق سهيل بن عمرو: إشارةً إلى ما كان عند وفاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، وارتداد الناس بمكة، فقام خطيباً ووعظهم، وثبَّتهم على الإسلام، فكان هذا هو المقام الذي يحمده عليه.


(١) هو مقول الزهري، وصله ابن مردويه في تفسيره من طريق عقيل.
(٢) كذا في الأصل: أزواجهن، والذي في نسخ البخاري المطبوعة: أزواجهم، وهو أصوب.
(٣) وفي بعض النسخ: الأشطاط، وهو موضع تلقاء الحديبية.
(٤) في نسخ البخاري المطبوعة: عيناً، وانظر الكلمة في " غريب الحديث ".
(٥) القائل: علي بن المديني.
(٦) قال في " عون المعبود ": كذا في النسخ، والظاهر أنه سقط بعض الألفاظ من هذا المقام، وفي " المشكاة " برواية الشيخين: ثم جاء نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ... } الآية.
(٧) رواه البخاري ٥ / ٢٤١ - ٢٦٠ في الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وفي باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، وفي الحج، باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم، وباب النحر قبل الحلق في الحصر، وفي المغازي، باب غزوة الحديبية، وفي تفسير سورة الممتحنة، وأبو داود رقم (٢٧٦٥) و (٢٧٦٦) في الجهاد باب في صلح العدو، ورقم (٤٦٥٥) في السنة، باب في الخلفاء.
(٨) رواية رزين هذه رواها أحمد في " المسند " ٤ / ٣٢٦.
(٩) في اللسان: المشرجة المعقودة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه أحمد (٤/٣٢٣، ٣٢٨) قال: حدثنا سفيان بن عيينة، وفي (٤/٣٢٣) قال: حدثنا يزيد بن هارون. قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار. وفي (٤/٣٢٧، ٣٢٨) قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر، وفي (٤/٣٣١) قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان. قال: حدثنا عبد الله بن المبارك. قال: حدثنا معمر، والبخاري (٢/٢٠٦) قال: حدثنا أحمد بن محمد. قال: أخبرنا عبد الله. قال: أخبرنا معمر. وفي (٣/٢٥٢) قال: حدثني عبد الله بن محمد. قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا معمر. وفي (٥/١٥٧) قال: حدثنا علي بن عبد الله. قال: حدثنا سفيان. وفي (٥/١٦١) قال: حدثنا عبد الله بن محمد. قال: حدثنا سفيان - قال: وثبتني معمر بعد الزهري -. وفي (٥/١٦١) قال: حدثني إسحاق، قال: أخبرنا يعقوب. قال: حدثني ابن أخي ابن شهاب، وأبو داود (١٧٥٤) قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد. قال: حدثنا سفيان بن عيينة. وفي (٢٧٦٦) قال: حدثنا محمد بن العلاء. قال: حدثنا ابن إدريس. قال: سمعت ابن إسحاق. وفي (٤٦٥٥) قال: أنبأنا يعقوب بن إبراهيم. قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك. قال: حدثنا معمر. والنسائي في الكبرى (ورقة ١١٤- ب) قال: أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن. قال: حدثنا سفيان (قال: وثبتني معمر بعد عن الزهري) . وابن خزيمة (٢٩٠٦) قال: حدثنا محمد بن عيسى. قال: حدثنا سلمة. قال: حدثني محمد بن إسحاق. وفي (٢٩٠٧) قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء. قال: حدثنا سفيان. (ح) وحدثنا علي بن خَشْرم. قال: أخبرنا ابن عيينة.
أربعتهم - سفيان، ومحمد بن إسحاق، ومعمر، وابن أخي ابن شهاب- عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، فذكره.
(*) أخرجه البخاري (٣/١١) قال: حدثنا محمود. قال: حدثنا عبد الرزاق. وأبو داود (٢٧٦٥، ٤٦٥٥) قال: حدثنا محمد بن عبيد، أن محمد بن ثور حدثهم. والنسائي (٥/١٦٩) قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى. قال: حدثنا محمد بن ثور.
كلاهما - عبد الرزاق، ومحمد بن ثور- عن مَعْمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، فذكره. ليس فيه -مروان بن الحكم-.
(*) أخرجه البخاري (٣/٢٤٦) قال: حدثنا يحيى بن بكير. قال: حدثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب. قال: أخبرني عروة بن الزبير، أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة، يخبران عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نحوه مختصرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>