للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفرع الرابع: في موقف الإمام]

٤٣٢٦ - (د ت) نافع أبو غالب: قال: «كنتُ في سكَّة المِرْبَدِ فمرَّتْ جنازة ومعها ناس كثير، قالوا: جنازةُ عبدِ الله بن عُمَيْر، فتبعتُها، ⦗٢٢٧⦘ فَإِذا أنا برجل عليه كِساء رقيق على بُرَيذِينَة (١) ، وعلى رأسه خرقة تَقِيْهِ من الشمس، فقلتُ: من هذا الدِّهقان؟ فقيل: هذا أنسُ بن مالك، فلما وُضِعت الجنازةُ قام أنس فصلَّى عليها، وأنا خَلفَهُ، لا يَحُول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه، وكبَّرَ أربع تكبيرات، لم يُطِل، ولم يُسْرِعْ، ثم ذهب فقعد، فقيل: يا أَبا حمزة، المرأةُ الأنصاريةُ (٢) ، فقرَّبُوها وعليها نَعْش أخضر، فقام عند عَجيزتها، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس، فقال له العلاءُ بنُ زياد: يا أبا حمزة، أهكذا كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي على الجنازة كصلاتك هذه: يكبِّر عليها أربعاً، ويقوم عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم، قال: يا أبا حمزة، غزوتَ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، غزَوْتُ معه حُنَيناً، فخرج المشركون، فحملوا علينا، حتى رأَينا خَيْلنا وراءَ ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا، فيذُقُّنَا ويَحْطِمُنا، فهزمهم الله، وجعل يُجاءُ بهم، فيُبايِعُونه على الإسلامِ، فقال رجل من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: إِن عَلَيَّ نذراً إِنْ جاء اللهُ بالرجلِ الذي كانَ منذُ اليومَ يَحطِمُنا لأضرِبنَّ عُنقَه، فسكتَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وجِيءَ بالرجل، فلما رأى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسولَ الله تبتُ إِلى الله، فأمسكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- عنه لا يُبايعُه، لِيَفيَ ⦗٢٢٨⦘ الآخَرُ بِنَذْره، قال: فجعلَ الرجلُ يتصدَّى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليأمُرَه بقتله، وجعل يَهَابُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- أن يقتلَه، فلما رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ لا يصنعُ شيئاً، بايَعه، فقال الرجل: يا رسولَ الله، نَذْري، فقال: إِني لم أُمسِك عنهُ منذُ اليومَ إِلا لِتُوفِيَ بنذرِك، قال: يا رسولَ الله، أَلا أوْمَضْتَ إِليَّ؟ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّهُ ليس لنبيّ أن يُومِضَ، قال أَبو غالب: ثم سألت عن صنيع أنس في قيامه عَلَى المرأة عند عَجيزتها؟ فحدَّثوني: أنه إنما كان لأنه لم تكن النُّعُوشُ، فكان الإمام يقوم حِيَال عجيزتها، يستُرها من القوم» . أخرجه أبو داود.

وفي رواية الترمذي مختصراً: قال أبو غالب: «صليتُ مع أنس بن مالك عَلَى جنازة رجل، فقامَ حِيَالَ رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة، صَلِّ عليها، فقامَ حِيالَ وَسطِ السرير، فقال له العلاءُ بنُ زياد: هكذا رأيتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقوم على الجنازة كمقامك منها، ومقامه من الرجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلما فرغ قال: احفظوا» (٣) . ⦗٢٢٩⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(الدِّهْقَان) : التانئ الكبير الذي له فلاحون يعملون بين يديه في أعماله: من الفِلاحة والزراعة ونحوها.

(يحطِمنا) : الحَطْم: الكَسْر والدَّوْس.

(يتصدَّى) : التَّصَدِّي: التعرض للشيء، وقيل: هو الذي يستشرف [الشيء] ناظراً إليه.

(أوْمَضَت) : الإيماض: الإشارة إلى الشيء.

(حِيَال) : حِيَال الشيء: تلقاؤه.

(عجيزتها) : العجيزة: العَجُز.


(١) وفي بعض النسخ: بريذينته، وهي تصغير برذون، والبرذون: الدابة وجمعه: براذين، والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب.
(٢) أي: هذه جنازتها.
(٣) رواه أبو داود رقم (٣١٩٤) في الجنائز، باب أي يقول الإمام من الميت إذا صلى عليه، والترمذي رقم (١٠٣٤) في الجنائز، باب ما جاء أين يقوم الإمام من الرجل والمرأة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو كما قال، قال: وفي الباب عن سمرة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
إسناده حسن:
١- أخرجه أحمد (٣/١٥١) قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث. وأبو داود (٣١٩٤) قال: حدثنا داود.
كلاهما - عبد الصمد، وداود - قالا: حدثنا عبد الوارث بن سعيد.
٢- وأخرجه أحمد (٣/١١٨) قال: حدثنا وكيع. وفي (٣/٢٠٤) قال: حدثنا يزيد. وابن ماجة (١٤٩٤) قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، والترمذي (١٠٣٤) قال: حدثنا عبد الله بن منير.
كلاهما - نصر، وابن منير - عن سعيد بن عامر بن يحيى
ثلاثتهم - وكيع، ويزيد، وسعيد بن عامر - عن همام..
كلاهما - عبد الوارث، وهمام - عن نافع أبي غالب، فذكره.
وقال الترمذي: حديث أنس هذا حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>