للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[أصحاب الأخدود]

٧٨٢٠ - (م ت) صهيب - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «كانَ مَلِك فيمن كان قبلَكم، وكان له ساحِر، فلما كَبِرَ قال للملك: إِني قد كَبِرْتُ، فابعثْ إليَّ غلاماً أُعلِّمه السحر، فبعث إِليه غلاماً يُعلّمه، وكان في طريقه إذا سَلَك راهب، فقعد إِليه وسمع كلامه، فكان إذا أتى السَّاحر مرَّ بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيتَ الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيتَ أهلك، فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذْ أتى على دابَّة عظيمة قد حبستِ الناسَ، فقال: اليومَ أعلمُ: السَّاحرُ أفضل، أم الراهبُ أفضل؟ فأخذ حجراً، فقال: اللهمَّ إنْ كان أمرُ الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر فاقتلْ هذه الدَّابة، حتى يمضيَ الناسُ، فرماها، فقتَلها، ومضى الناسُ، فأتى الراهبَ فأخبره، فقال له [الراهب] : أيْ بُنَيَّ، أنتَ اليومَ أفضلُ مني، وقد بلغَ مِن أمْرِك ما أرى، وإِنَّك ستُبْتَلى، فإن ابتُليتَ فلا تدلَّ علي، وكان الغلامُ يُبرِئ الأكمَه والأبرصَ، ويداوي الناسَ من سائر الأدْواء، فسمع جليس للملك - كان قد عمي - فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمعُ إن أنت شَفَيتَني، قال: إِني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمَنْتَ بالله دعوتُ الله فشفاك، فآمَنَ به، فشفاه الله،

فأتى الملك، فجلسَ إليه كما كان يجلس، ⦗٣٠٥⦘ فقال له الملِك: مَنْ رَدَّ عليك بَصرَك؟ قال: ربي، قال: ولك رَبّ غيري؟ ، قال: ربي وربُّكَ [الله] ، فأخذه، فلم يزلْ يعذِّبُهُ، حتى دلَّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بُنَيَّ، قد بلغ من سحْرِكَ ما تُبْرِئ الأكمَه والأبرصَ، وتفعلُ وتفعلُ؟ قال: فقال: إني لا أشفي أحداً، إِنما يشفي الله، فأخذه، فلم يزلْ يعذِّبُه، حتى دَلَّ على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دِينِكَ، فأبى، فدعا بالمنشار، فوضَع المنشار على مَفْرِق رأسه، فشقَّه به حتى وقع شِقَّاهُ، [ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دِينك، فأبى، فَوَضع المنشار في مَفْرِق رأسه، فشقّه به حتى وقع شقاه] ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دِينِكَ، فأبى، فدفعه إلى نَفَر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعَدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذِرْوَته، فإن رجع عن دِينه، وإلا فاطرحوه، فذهبوا به، فصَعِدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئتَ، فرجف بهم الجبلُ فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قُرْقُور، وتوسّطوا به البحر، فإن رَجَعَ عن دِينه، وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئتَ، فانكفأَتْ بهم السفينةُ، فغَرِقُوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنكَ لستَ بقاتلي حتى تفعلَ ⦗٣٠٦⦘ ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلُبُني على جِذْع، ثم خذْ سَهْماً من كِنانتي، ثم ضَع السهم في كَبِدِ القوس، ثم قل: بسم الله ربِّ الغلام، ثم ارمِ، فإنك إذا فعلتَ ذلك قتلتني، فجمع الناسَ في صعيد واحد، وصلبه على جذع، وأخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كَبِدِ القوس، ثم قال: بسم الله ربِّ الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صُدغِهِ، فوضع يده في صُدغه، في موضِعِ السهم، فمات، فقال الناسُ: آمنَّا بربِّ الغلام، آمنَّا بربِّ الغلام، آمنا برب الغلام، فأُتِيَ الملكُ، فقيل له: أرأيتَ ما كنت تحذر؟ قَدْ والله نزلَ بكَ حَذَرك، قد آمن الناسُ، فأَمر بالأخدود بأفواه السكك، فخُدَّتْ، وأَضْرَم فيها النيرانَ، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه (١) فيها - أو قيل له: اقْتَحِم - ففعلوا، حتى جاءت امرأة، ومعها صبيّ لها، فتقاعَسَتْ أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أُمّه، اصبري، فإنكِ على الحق» هذه رواية مسلم.

وفي رواية الترمذي قال: «كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: إذا صلى العصر هَمَسَ - والهمس في بعضهم قولهم: تَحرُّك شفتيه، كأنه يتكلم - فقيل [له] : يا رسولَ الله، إنك إذا صَلَّيتَ العصر همستَ؟ قال: إن نبيّاً من الأنبياء كان أُعجِبَ بأُمَّتِه، قال: مَنْ يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه: أن خَيِّرْهُمْ بين أن ⦗٣٠٧⦘ أنتقِمَ منهم، وبين أن أسَلِّطَ عليهم عَدُوَّهم، فاختاروا النِّقمة، فسَلَّطَ الله عليهم الموتَ، فماتَ في يوم سبعون ألفاً» .

وكان إذا حدَّث بهذا الحديث حدَّث بهذا الحديث الآخر، قال: «كان ملك من الملوكِ، وكان لذلك الملك كاهِن يَكْهَنُ له، فقال الكاهن: انظروا لي غلاماً فَهِماً - أو قال: فَطِناً - لَقِناً فأُعلّمه عِلْمي [هذا] ، فإني أخافُ أن أموتَ، فَيَنْقَطِعَ مِنكم هذا العلم، ولا يكونَ فيكم مَنْ يَعْلَمُهُ، قال: فنظروا له على ما وَصَفَ، فأمروه أن يَحْضُرَ ذلك الكاهِن، وأن يختلف إليه، فجعل يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صَوْمَعَة - قال معمر (٢) : أحْسِبُ أنَّ أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين - قال: فجعل الغلامُ يسأل ذلك الراهبَ كلَّما مرَّ به، فلم يزل حتى أخبره، فقال: إنما أعبد الله، قال: فجعل الغلام يمكثُ عند الراهب، ويبطئ عن الكاهن، فأرسل الكاهِنُ إلى أهل الغلام: أنه لا يكادُ يحضُرني، فأخبر الغلامُ الراهِبَ بذلك، فقال له الراهب: أين كنتَ؟ فأخبرهم أنَّكَ كنتَ عند الكاهِنِ، قال: فبينما الغلام على ذلك، إذ مَرَّ بجماعة من الناس كثير، قد حَبَسَتْهُمْ دابة - فقال بعضهم: إن تلكَ الدابةَ كانت أسَداً - فأخذ الغلامُ حَجَراً، فقال: اللهمَّ إن كان ما يقول الراهب حقاً، فأَسأَلك أن أقْتُلَهُ، ثم رَمَى به، فقتل الدابة، فقال الناس: مَنْ ⦗٣٠٨⦘ قتلها؟ فقالوا: الغلام، ففزِع الناسُ، وقالوا: قد عَلِمَ هذا الغلامُ علماً لم يعلمْه أحد، قال: فسمع به أعمى، فقال له: إن أنتَ رددتَ بصري، فلك كذا وكذا، قال: لا أُرِيد منك هذا، ولكن أرأيتَ إن رَجَعَ إليك بصرُك أتؤمنُ بالذي ردَّه عليك؟ قال: نعم، قال: فدعا الله، فردَّ عليه بَصَرُه، فآمَنَ الأعْمَى، فبلغ الملكَ أمرهُم، فدعاهم، فأُتِيَ بهم، فقال: لأقْتُلَنَّ كُلَّ واحد منكم قِتْلَة لا أقْتُلُ بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى، فوضع المنشار على مفرِق أحدهما فقتله، وقَتل الآخرِ بِقِتْلَة أخرى،

ثم أَمَرَ بالغلام، فقال: انطلِقوا به إلى جبل كذا وكذا، فأَلقوهُ من رأسه، فانطَلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهَوْا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يُلقُوهُ منه، جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل، ويَتَرَدَّوْنَ، حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرَّق الله الذين كانوا معه، وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنَّكَ لا تقتلني حتى تصلُبني وترميَني، وتقول إذا رميتني: بسم الله ربِّ هذا الغلام، قال: فأمر به فصلب، ثم رماه فقال: بسم الله رب هذا الغلام، قال: فوضع الغلام يده على صُدغِه حين رُمِيَ، ثم مات، فقال الناسُ: لقد عَلِمَ هذا الغلامُ علماً ما علمه أحد، فإنا نؤمن برب هذا الغلام، قال: فقيل للملك: أجَزِعْتَ أن خالَفَكَ ثلاثة؟ فهذا العالَمُ كلُّهم قد خالَفُوك، قال: فخَدَّ أخْدُوداً ثم ألقى فيها الحطبَ والنارَ، ثم جمع الناسَ، فقال: مَنْ رَجَعَ عن دِينه تركناه ⦗٣٠٩⦘ ومن لم يرجع ألقيناه في النار، فجعل يُلقيهم في تلك الأخدود، قال: يقول الله تبارك وتعالى: {قُتِلَ أصحابُ الأخدود. النارِ ذاتِ الوَقُودِ} - حتى بلغ - {العَزِيزِ الحميدِ} [البروج: ٤ - ٨] قال: فأما الغلام، فإنه دُفن، قال: فيذكر أنه أُخْرِجَ في زَمن عمر بن الخطاب وإصبَعُهُ على صُدْغهِ، كما وضعها حين قُتِلَ» (٣) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(بالمنشار) أشَرْتُ الخشبة بالمنشار: إذا شققتَها، ووشرتُها بالميشار - غير مهموز - لغة فيه، والميشار والمنشار سواء.

(قُرقُور) القُرقُور: سفينة صغيرة.

(فانكفأت) السفينة: أي انقلبت، ومنه: كفأتُ القدر: إذا كببتَها.

(الصعيد) : وجه الأرض، وأراد: أنه جمعهم في أرض واحدة منبسطةٍ ليشاهدوه.

(من كنانتي) الكنانة: الجعبة التي يكون فيها النشاب.

(كبد القوس) : وسطها، والمراد به: موضع السهم من الوَتَرِ والقوس.

(بالأخدود) الأُخدود: الشق في الأرض، وجمعه الأخاديد. ⦗٣١٠⦘

(السكك) جمع سِكة، وهي الطريق.

(أضْرَمتُ) النار: إذا أوقدتَها وأثرتَها.

(اقتحم) الاقتحام: الوقوع في الشيء من غير رؤية ولا تَثَبُّتٍ.

(فتقاعست) التقاعس: التأخُّر والمشي إلى وراء.

(الهمس) : الكلام الخفيُّ الذي لا يكاد يسمع.

(اللقِن) : الرجل الفَهِم الذكيُّ.

(التهافت) : الوقوعُ في الشيء مثل التساقط.


(١) وفي بعض النسخ: فأحموه.
(٢) أحد الرواة.
(٣) رواه مسلم رقم (٣٠٠٥) في الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام، والترمذي رقم (٣٣٣٧) في التفسير، باب ومن سورة البروج.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
١- أخرجه أحمد (٦/١٦) قال: حدثنا عفان. ومسلم (٨/٢٢٩) قال: حدثنا هداب بن خالد. والنسائي في الكبرى تحفة الأشراف (٤٩٦٩) عن أحمد بن سليمان، عن عفان.
كلاهما - عفان، وهداب - قالا: حدثنا حماد بن سلمة.
٢- وأخرجه الترمذي (٣٣٤٠) قال: حدثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميد -المعنى واحد- قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر.
كلاهما - حماد، ومعمر - عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>