للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفصل الثالث: في آلة الذبح]

٢٥٨٥ - (خ م ت د س) رافع بن خديج - رضي الله عنه -: قال: «كنا مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- بذِي الحُلَيْفَةِ، من تِهَامَةَ، فأصاب الناسَ جوعٌ، فأصابوا إِبلاً وغَنماً، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في أُخْرَيَاتِ القومِ، فَعَجِلُوا وذبحوا، ونَصَبُوا القُدُورَ، فأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- بالقُدُورِ، فأُكْفِئَتْ، ثم قَسمَ، فَعَدل عشرة من الغنم بِبَعيرٍ، فَندَّ منها بَعيِرٌ، فطلبوه، فأعياهم، وكان في القومِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فأهوى رجلٌ بِسَهم، فحبسه الله، فقال: إِنَّ لهذه البهائمِ أَوَابِدَ كأوَابِدِ الوَحْش، فما غلبكم منها فاصْنَعُوا به هكذا، قال: قلت: يا رسولَ الله، إِنَّا لاقُو العدُوِّ غداً، وليست معنا مُدى، أَفَنَذبَحُ بالقصب؟ قال: ما أنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فكلوه، ليس السِّنَّ والظُّفُرَ، ⦗٤٩٠⦘ وسَأُحَدِّثُكُم عن ذلك: أَما السِّنُّ فعظمٌ، وأَما الظُّفر فَمُدَى الحبشة» .

أخرجه البخاري، ومسلم، وأخرجه الترمذي مُتفَرِّقاً في ثلاثة مواضع، فجعل ذِكْرَ البعيرِ النَّادِّ وقولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- فيه ما قال: في موضع، وذِكْرَ المُدى وقولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- فيها: في موضع، وذِكْرَ إِصَابة الإِبل، والغنم، وطَبخِها وإِكفاءِ القدور: في موضع.

وفي رواية أبي داود، قال: «أتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسولَ الله إنا نَلقى العدُوَّ غداً، وليس معنا مُدى، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: أَرِن، أو اعجِلْ، ما أَنْهَرَ الدَّمَ، وذُكِرَ اسم الله عليه فكلوا، ما لم يكن سِنٌّ أو ظُفُر، وسأحَدِّثكم عن ذلك، أما السِّن فعظم، وأما الظُّفُرُ: فَمُدَى الحَبشة، وتقدَّم سَرَعان من الناس، فَعَجِلُوا فأَصابوا من الغنائم، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- في آخر الناس، فنَصَبُوا قُدُوراً، فمرَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بالقُدُور، فأمر بها فأُكْفِئَتْ، وقَسم بينهم، فعدل بعيراً بعشر شياه، ونَدَّ بعيرٌ من القوم، ولم يكن معهم خيل، فرماه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: إِن لهذه البهائم أوَابِدَ كأوابِدِ الوَحْش، فما فعل منها هذا فافعلوا به مثل هذا» .

وأخرج النسائي من أوله إلى قوله: «فاصنَعُوا به هكذا» .

وأخرج منه طرفاً آخر: أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا أنْهَرَ الدم ⦗٤٩١⦘ وذُكِر اسمُ الله عليه فكُلْ، إِلا سِنٌّ، أَو ظُفُرٌ» .

وَأَخرج منه أَيضاً: «قال: يا رسولَ الله، إِنا نَلْقَى العَدُوَّ غَداً، وما معنا مُدى (١) ؟ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أنهر الدمَ وذُكِر اسم الله عليه فكلوا، ما لم يكن سِنّاً أو ظُفُراً، وسأحدِّثكم عن ذلك: أَما السِّنُّ فعظم، وأما الظُفُر فَمُدى الحبشة» (٢) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(فأكفئت) : أكفأت القدر: إذا قلبتها، وكذلك كفأتها، لغتان. أفعلت، وفعلت. ⦗٤٩٢⦘

(فَنَدَّ) : ند البعير وغيره: إذا هرب من صاحبه وذهب لوجهه.

(فأهوى) : أهويت إلى الشيء: مددت يدي [إليه] .

(فحبسه الله) : أي: منعه من الذهاب بوقوع السهم فيه.

(أوابد) : الأوابد: الوحوش، وتأبدت البهائم: توحشت ونفرت من الإنس.

(مُدّى) : جمع مدية، وهي الشفرة والسكين.

(أنهر) : أنهرت الدم، أي: أسلته شبه جري الدم من الذبيحة بجري الماء في النهر.

(ليس السن) : ليس بمعنى إلا، تقول: قام القوم ليس زيداً، أي: إلا زيداً.

(أرن) : قال الخطابي: رواه أبو داود أرن بوزن عَرِن ورواه البخاري ساكن الراء بوزن عَرْن.

قوله: رواه البخاري، يريد: في غير [كتابه] الصحيح من باقي كتبه.

قال الخطابي: وهذا حرف طالما استثبت فيه الرواة، وسألت عنه أهل العلم باللغة، فلم أجد عند واحد منهم شيئاً يقطع بصحته، وقد طلبت له مخرجاً، فرأيته يتجه بوجوه، أحدها: أن يكون مأخوذاً من قولهم: ⦗٤٩٣⦘ أُران القوم فهم مُرِينون: إذا هلكت مواشيهم. فيكون معناه: أهلكها ذبحاً، وأزهق نفسها بكل ما أنهر الدم، غير السن والظفر، هذا على ما رواه أبو داود، والوجه الثاني أن يقال: إأرن مهموزاً على وزن إعرن. من أَرِن يأرن: إذا نشط وخف، يقول: خِفَّ وأعجل، لئلا تقتلها خنقاً. وذلك أن غير الحديد لا يمور في الذكاة موره. والأرن: الخفة والنشاط.

قلت: وفي هذا التأويل بعد وتعسف من حيث اللفظ، لا من حيث المعنى، فإن الرواية لا تساعده، ولا يمكن نقل هذا البناء إلى ما يوافق الرواية إلا على بعد وحذف وتعسف، لعل العربية لا تجيزه.

وقال الخطابي: والوجه الثالث أن يكون بمعنى: أدم الحز ولا تفتر، من قولك: رنوت النظر إلى الشيء، إذا أدمته، أو يكون أراد: أدم الحز، ولا تفتر. من قولك: رنوت النظر إلى الشيء: إذا أدمته، أو يكون أراد: أدم النظر إليه وراعه ببصرك، لا تزل عن المذبح. قال: وأقرب من هذا كله: أن يكون أرز بالزاي أي شد يدك على المحز، وأعتمد بها عليه، من قولك: أرَزَّ الرجل إصبعه: إذا أناخها في الشيء، وارتز السهم في الجدار: إذا ثبت، هذا إن ساعدته الرواية، والله أعلم. ⦗٤٩٤⦘

(سرعان الناس) : أوائلهم والمتقدمون عليهم.


(١) في النسائي المطبوع، وليس معنا مدى.
(٢) رواه البخاري ٥ / ٩٤ في الشركه، باب قسمة الغنم، وباب من عدل عشرة من الغنم بجزور في القسم، وفي الجهاد، باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم، وفي الذبائح والصيد، باب التسمية على الذبيحة، وباب من أنهر الدم من القصب والمروة والحديد، وباب لا يذكى بالسن والعظم والظفر، وباب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش، وباب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنماً أو إبلاً بغير أمر أصحابه لم تؤكل، وباب إذا ند بعير لقوم فرماه بعضهم بسهم فقتله وأراد إصلاحه فهو جائز، ومسلم رقم (١٩٦٨) في الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، والترمذي رقم (١٤٩١) و (١٤٩٢) في الأحكام، باب في الذكاة في القصب وغيره، وأبو داود رقم (٢٨٢١) في الأضاحي، باب الذبيحة بالمروة، والنسائي ٧ / ٢٢٦ و ٢٢٨ في الضحايا، باب النهي عن الذبح بالظفر، وباب في الذبح بالسن، وباب ذكر المنفلتة التي لا يقدر على أخذها.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>