للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غزوة الرَّجيع (١)

قال البخاري: قال ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر: أنها بعد أُحُد (٢) .

٦٠٨٥ - (خ د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «بَعَثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- سَرِيَّة عَيْناً، وأمَّرَ عليهم عاصمَ بنَ ثابت (٣) - وهو جدُّ عاصم بن عمر بن الخطاب - فانطلقوا، حتى إذا كانوا بين عُسْفَانَ ومكةَ ذُكِرُوا لِحَيّ مِنْ هُذَيل، يقال: لهم بنو لِحْيَان، فَتَبِعُوهُمْ بقريب من مائة رام، فاقْتَفَوْا آثارهم، حتى أَتَوْا منزلاً نَزَلُوهُ، فوجدوا فيه نَوَى تمر تَزَوَّدُوه من المدينة، فقالوا: هذا تمرُ يثربَ، فَتَبِعُوا آثارهم حتى لَحِقُوهُمْ، فلما أَحسَّ بهم عاصم وأصحابُه، لجؤوا إلى فَدفَد، وجاء القوم، فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق: إن نزلتم إلينا أنْ لا نَقْتُلَ منكم رَجُلاً، فقال عاصم: أمَّا أنا فلا أنزل في ذِمَّةِ كافر، اللهم أخْبِر عنَّا رسولَكَ، ⦗٢٥٦⦘ فقاتلوهم، فَرَمْوهُمْ حتى قَتلوا عاصماً في سبعةِ نَفَر بالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْب وزيد، ورجل آخرُ، فأعطَوْهُمُ العَهْدَ والميثاقَ، فلما أَعْطَوْهم العهدَ والميثاقَ نزلوا إِليهم، فلما استمكَنُوا منهم، حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِم فَرَبَطُوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهم: هذا أَوَّلُ الغَدْرِ، فأَبَى أَن يَصْحَبَهُم، فجرَّرُوهُ وعالجوه على أن يَصْحَبَهُمْ، فلم يفعلْ، فقتلوه، وانطلقوا بخُبَيْب وزيد، حتى باعوهما بمكة، فاشترى خُبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارثَ يومَ بدر، فمكثَ عندهم أسيراً، حتى إذا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، استعار موسى من [بعض] بنات الحارث، لِيَسْتَحِدَّ بها، فأعارَتْه، قالت: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبيّ لي، فَدَرَجَ إليه حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيتُهُ فَزِعتُ منه فَزْعَة عَرفَ ذلك مني، وفي يده الموسى، فقال: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ ما كنتُ لأفعل ذلك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيتُ أسيراً قَطُّ خيراً من خُبَيْب، لقد رأيتُهُ يأكلُ من قِطْفِ عِنَب وما بمكة يومئذ ثَمَرَة، وإنَّه لموثَق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله خُبَيْباً (٤) ، فلما خرجوا به من الحَرَم ليقتلوه، قال: دَعُوني أُصلِّي ركعتين، ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تَرَوا أَنَّ ما بي جَزَع من الموت لَزِدْتُ، فكان أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الركعتين عند القتل، وقال: اللهم أحصِهِمْ عَدَداً. ⦗٢٥٧⦘

وقال:

فَلَسْتُ أُبالي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً ... عَلى أَيِّ شِقّ كَانَ في الله مَصْرَعِي

وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلَهِ، وَإِن يَشَأْ ... يُبَارِكْ على أَوصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثم قام إليه عُقبةُ بنُ الحارث، فقتله، وبعثتْ قريش إلى عاصم، ليُؤتَوْا بشيء من جسده بعد موته (٥) - وكان قَتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر - فبعث الله عليه مثل الظُّلَّة من الدَّبْرِ، فحمتْهُ [من رُسُلهم] ، فلم يقدروا منه على شيء» .

وفي رواية قال: «بعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- عَشْرَة رَهْط عيناً، وأَمَّر عليهم عاصمَ بنَ ثابت الأنصاريَّ - جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب -، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدْأَة، بين عسفان ومكةَ ... » وذكر الحديث.

وفي رواية: «بقريب من مائتي رجل، [كلُّهم رامٍ] » ، وفيه: «لجؤوا إلى موضع» ، وفيه فقال عاصم: «أيها القوم، أما أنا» ، وفيه: «منهم خُبيب وزيد بن الدّثِنَّة» ، وفيه «حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خُبَيْباً» وفيه «فلما أخرجوه من الحرم ليقتلوه في الحِلِّ» ، وفيه قال: «اللهم أحصهم عَدَداً، واقتُلهم بَدَداً، ولا تُبْقِ منهم أحداً» . ⦗٢٥٨⦘

وقال:

وَلَسْتُ أُبالي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً ... عَلى أي جَنْب كان في الله مَصرَعي

وذلك في ذاتِ الإله، وإن يشأْ ... يُبَارِكْ على أَوصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثم قام إليه أبو سَروَعة، عقبةُ بن الحارث [فقتله] ، وكان خبيب هو سَنَّ لكلِّ مسلم قُتِلَ صبراً: الصلاةَ، وأخبر - يعني النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- أصحابَهُ يوم أصيبوا خَبَرَهُمْ، وبَعَثَ ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت، حين حُدِّثوا: أنه قُتِلَ - أن يُؤتَوْا بشيء منه يُعْرَفُ، وكان قَتَلَ رَجُلاً من عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظُّلَّةِ من الدَّبْرِ، فَحَمْتهُ من رُسُلهم، فلم يقدِروا أن يقطعوا منه شيئاً. أخرجه البخاري.

وأخرجه أبو داود إلى قوله: «يستحدُّ بها» ، ثم قال: «فلما خرجوا به ليقتلوه، قال لهم خُبَيْب: دعوني أركعُ رَكْعتين، ثم قال: والله، لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدتُ» .

وأخرجه في موضع آخر قال: «ابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خُبَيْباً - وكان خُبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر - فلبث خبيب عندهم أسيراً، حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدُّ بها، فأَعارته ... » وذكر الحديث إلى قوله: ما كنتُ لأفعلَ ذلك.

قال أبو داود: وروى الزهريُّ هذه القصة، قال: أخبرني عبيد الله بن عياض: «أنَّ بنتَ الحارث أخبرتْهُ: أَنَّهم حين اجتمعوا - يعني لقتله - استعار ⦗٢٥٩⦘ منها موسى ليستحدَّ بها، فأعارتْهُ» ، وهذه الحكاية عن الزهريِّ قد أخرجها البخاريُّ أيضاً في رواية له (٦) .

وفي رواية رزين زيادة: «قال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذِمّةِ كافر، اللهم أَخْبِرْ عَنَّا رسولَكَ، فجعل يرميهم ويقول:

ما عِلَّتي وأنا جَلد نَابلُ ... والقوسُ فيها وتَرٌ عُنَابِلُ»

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(فَدْفَد) الفَدْفَد: الموضع الذي فيه غِلَظٌ وارتفاع.

(عالجوه) أي: مارسوه، وأراد به: أنهم خَدَعُوه لِيَتْبَعَهُم، فأبى.

(ليستحدَّ) الاستحداد: حلق العانة. ⦗٢٦٠⦘

(قِطْفٌ) القِطْف: العُنْقُود، وهو اسم لكل ما يُقْطَف.

(شِلْو) الشِّلْو: العضو من أعضاء الإنسان.

(ممزَّع) الممزَّع: المفرَّق.

(الظُّلّة) : الشيء الذي يُظَلِّل من فوق.

(الدَّبْر) : جماعة النَّحْل.

(بدَداً) البَدَد: المتفرِّقون أشتاتاً.

(صَبراً) قَتْل الصَّبْر: هو أن يُقْتَل بأي أنواع القتل كان، من غير أن يكون في حرب ولا قتال.

(نَابِل) النَّابل: الذي معه النَّبل.

(عُنَابِل) العُنابل: الغليظ.


(١) الرجيع في الأصل: اسم للروث، سمي بذلك لاستحالته، والمراد هنا: اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة بالقرب منه فسميت به، وغزوة الرجيع كانت في أواخر السنة الثالثة للهجرة.
(٢) ذكره البخاري تعليقاً ٧ / ٢٩١ في المغازي، باب غزوة الرجيع.
(٣) هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح - بالقاف والحاء المهملة - الأنصاري. قال الحافظ في " الفتح ": كذا في الصحيح: وأمر عليهم عاصم بن ثابت، وفي السيرة أن الأمير عليهم كان مرثد بن أبي مرثد، وما في الصحيح أصح.
(٤) قال الحافظ في " الفتح ": قال ابن بطال: هذا يمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهاناً لنبيه لتصحيح رسالته.
(٥) الذي في نسخ البخاري المطبوعة: ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه.
(٦) رواه البخاري ٧ / ٢٩١ - ٢٩٥ في المغازي، باب غزوة الرجيع، باب فضل من شهد بدراً وفي الجهاد، باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر، وفي التوحيد، باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله، وأبو داود رقم (٢٦٦٠) و (٢٦٦١) في الجهاد، باب في الرجل يستأسر، ورقم (٣١١٢) في الجنائز، باب المريض يؤخذ من أظفاره وعانته. قال الحافظ في " الفتح ": وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل أنفة من أنه يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإن أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن، وفيه الوفاء للمشركين بالعهد والتورع عن قتل أولادهم، والتلطف بمن أريد قتله، وإثبات كرامة الأولياء، والدعاء على المشركين بالتعميم، والصلاة عند القتل، وفيه إنشاء الشعر وإنشاده عند القتل، ودلالة على قوة يقين خبيب، وشدته في دينه، وفيه أن الله يبتلي عبده المسلم بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه، ولو شاء ربك ما فعلوه، وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حياً وميتاً، وغير ذلك من الفوائد مما يظهر بالتأمل، وإنما استجاب الله له في حماية لحمه من المشركين ولم يمنعهم من قتله كما أراد من إكرامه بالشهادة، ومن كرامته حمايته من هتك حرمته لقطع لحمه، وفيه ما كان عليه مشركو قريش من تعظيم الحرم والأشهر الحرم.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه أحمد (٢/٢٩٤) قال: حدثنا سليمان بن داود. قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد (ح) ويعقوب. قال: حدثنا أبي. وفي (٢/٣١٠) قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: حدثنا معمر والبخاري (٤/٨٢ و٩/١٤٧) قال: حدثنا أبو اليمان. قال: أخبرنا شعيب. وفي (٥/١٠٠) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل. قال: حدثنا إبراهيم. وفي (٥/١٣٢) قال: حدثني إبراهيم بن موسى. قال: أخبرنا هشام ابن يوسف، عن معمر. وأبو داود (٢٦٦٠) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل. قال: حدثنا إبراهيم، يعني ابن سعد. وفي (٢٦٦١) قال: حدثنا ابن عوف. قال: حدثنا أبو اليمان. قال: أخبرنا شعيب. والنسائي في الكبرى تحفة الأشراف (١٠/١٤٢٧١) عن عمران بن بكار بن راشد، عن أبي اليمان، عن شعيب.
ثلاثتهم - إبراهيم بن سعد، ومعمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة - عن ابن شهاب الزهري، عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي، فذكره.
(*) في رواية شعيب: عن الزهري. قال: فأخبرني عبيد الله بن عياض، أن بنت الحارث أخبرته، أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته.. فذكر الحديث.
(*) في رواية إبراهيم بن سعد عند أحمد والبخاري: «عمر بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة» .
وفي رواية إبراهيم عند أبي داود: «عمرو بن جارية الثقفي حليف بني زهرة» .
وفي رواية شعيب عند البخاري وأبي داود: «عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، وكان حليف لبني زهرة» .
وفي رواية شعيب عند النسائي: «عمر بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي» .

<<  <  ج: ص:  >  >>