للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غزوة خَيْبر

٦١٢٥ - (خ م د س) سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: «خرجنا مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- إلى خَيْبَرَ، فَسِرْنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامرِ بن الأكوع: ألا تُسْمِعُنا من هُنَيْهَاتِكَ (١) ؟ وكان عامر رجلاً شاعراً، فنزل يَحْدو بالقوم، يقول: ⦗٣٣٦⦘

اللَّهُمَ (٢) لولا أَنتَ مَا اهتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّينَا

فَاغفِرْ فِدَاء لَكَ (٣) مَا اقْتَفَيْنا ... وَثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لاقيْنَا

وَأَلْقِيَنْ سَكِينَة عَلَيْنا ... إنَّا إذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنا

وبِالصيِّاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا

فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: مَن هذا السائق؟ فقالوا: عامرُ بنُ الأكوع، فقال: يرحمه الله، قال رجل من القوم: وَجَبَتْ يا رسول الله؛ لولا مَتَّعْتَنا به! ، قال: فأتينا خيبرَ، فحاصرناهم، حتى أصابتْنا مَخْمَصَة شديدة، ثم إن الله فتحها عليهم، فلما أمْسَى الناسُ مساءَ اليوم الذي فُتِحَتْ عليهم أوْقدوا نيراناً كثيرة، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: ما هذه النيرانُ؟ على أيِّ شيء توقدون؟ قالوا: على لحم، قال: على أيِّ لحم؟ قالوا: لحم الحُمُر الإِنسية، ⦗٣٣٧⦘ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: أهْرِيقُوها واكْسِرُوها، فقال رجل: يا رسول الله، أوَ نُهرِيقُها ونغسلها؟ فقال: أَو ذَاكَ، فلما تَصَافَّ القومُ كان سَيفُ عامر فيه قِصَر، فتناول به يهودياً ليضربَهُ، فرجع ذُبابُ سيفه، فأصاب رُكْبَتَهُ، فماتَ منها، فلما قَفَلُوا، قال سلمةُ: رآني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- شاحِباً ساكتاً (٤) ، قال سلمةُ - وهو آخذ بيدي -[قال: ما لك؟] فقلت [له] : فداك أبي وأُمِّي، زعموا أن عامراً حَبِطَ عَمَلُه، قال: مَن قاله؟ قلتُ: قاله فلان وفلان، وأُسَيْد بنُ حُضَير، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: كذبَ مَن قاله، إن له لأجْرَيْن، وجمع بين إصبعيه، إنه لجاهد مُجاهِد، قَلَّ عربيّ مشى بها مثلَه. وفي رواية: نشأ بها» . أخرجه البخاري ومسلم، ولم يقل مسلم: «نشأ بها» .

ولمسلم قال سلمةُ: «لما كان يومُ خيبر قاتَل أخي قتالاً شديداً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فارتدّ عليه سَيْفُهُ فقتله، فقال أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- في ذلك - وشكُّوا فيه - رجل مات في سلاحه، قال سلمةُ: فقفل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- من خيبرَ، فقلت: يا رسولَ الله، ائْذَنْ لي أن أرْجُزَ بك، فأَذِنَ له رسول الله ⦗٣٣٨⦘ صلى الله عليه وسلم- فقال عمر [بن الخطاب] : اعلمْ ما تقول، فقلتُ:

واللهِ لولا الله مَا اهْتَدَيْنا ... وَلا تَصَدَّقْنا ولا صلّينَا

فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: صدقتَ.

فأنزِلَنْ سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقَينَا

والمشركون قد بَغَوْا علينا

فلما قضيتُ رَجَزي، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: مَن قال هذا؟ قلتُ: قاله أخي، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: يرحمه الله، قال: فقلتُ: يا رسول الله، والله إِن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رَجُل مات بسلاحه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: كذبوا، مات جاهِداً مجاهداً» .

قال ابن شهاب: ثم سألتُ ابناً لسلمةَ بنِ الأكوع؟ فحدَّثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال - حين قلتُ: «إن ناساً يهابون الصلاة عليه» ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «كذبوا مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين» .

وأخرجه أبو داود مختصراً، قال: «لما كان يومُ خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً، فارتدَّ عليه سَيفُهُ فقتله، فقال أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- في ذلك - وشكُّوا فيه - رجل مات بسلاحه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: ماتَ جاهداً مُجاهداً. ⦗٣٣٩⦘

قال ابن شهاب: ثم سألت ابناً لسلمة بنِ الأكوع ... » وذكر باقي الحديث إلى آخره.

وأخرجه النسائي مثل رواية مسلم المفردة بطولها، وزاد: «وأشار بإصبعيه» (٥) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(هُنَيْهَاتِكَ) هنيهاتك وهُنَيَّاتك، يعني: الأشياء التي تظهر منه مما يُسْتَغْرَبُ ويستظرف ويُسْتَحْسَن ويُشتهى ونحو ذلك.

(وَجَبَتْ) قوله: وجبت، أي: وجبت الرحمة والمغفرة التي تَرَحمَّ بها عليه، يعني: أنه باستغفاره له وجبت له المغفرة، وأنه يُقتَل شهيداً، وقد تقدَّم معنى قولهم: «لولا متّعتنا» .

(مَخْمَصَة) المخمصةُ: المجاعة.

(ذُبَاب) السيفِ: طرفُه الذي يُضرَبُ به.

(قَفَلُوا) قفل المسافر: إذا رجع من سفره. ⦗٣٤٠⦘

(شاحباً) الشاحبُ: الجسم المتغيِّر، تقول: شَحَبَ يَشْحَبُ.

(حَبِطَ) عمله، أي: بطل، وضاع أجرُه.

(جاهداً) الجاهد: المبالغُ في الأمر الذي ينتهي إلى آخر ما يَجِد، والمجاهد: الغازي في سبيل الله تعالى.


(١) وفي بعض النسخ: هنياتك، أي: أراجيزك، والهنة تقع على كل شيء.
(٢) كذا الرواية، قالوا: وصوابه في الوزن: لاهم، أو تالله، أو الله، وقد تقدم الحديث رقم (٦١١٢) بلفظ: تالله ... .
(٣) قال المازري: هذه اللفظة مشكلة، فإنه لا يقال: فدى الباري سبحانه وتعالى، ولا يقال له سبحانه وتعالى فديتك، لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص، فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به، ويفديه منه، قال: ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه، كما يقال: قاتله الله، ولا يراد بذلك حقيقة الدعاء عليه، وكقوله صلى الله عليه وسلم: تربت يداك، تربت يمينك، ويل أمه، وفيه كله ضرب من الاستعارة، لأن الفادي مبالغ في طلب رضى المفدى حين بذل نفسه عن نفسه للمكروه، فكأن مراد الشاعر: إني أبذل نفسي في رضاك. وعلى كل حال، فإن المعنى وإن أمكن صرفه إلى جهة صحيحة فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به يفتقر إلى ورود الشرع بالإذن فيه ... .
(٤) في البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحباً، فقط، وفي مسلم: فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتاً، فقط، وقد جمع المصنف بين روايتي البخاري ومسلم، وجاء في المطبوع من جامع الأصول: شاحباً شاكياً، وهو تصحيف.
(٥) رواه البخاري ٧ / ٣٥٦ - ٣٥٨ في المغازي، باب غزوة خيبر، وفي المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق، وفي الذبائح والصيد، باب آنية المجوس والميتة، وفي الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز، وفي الدعوات، باب قول الله تعالى: {وصل عليهم} ، وفي الديات، باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له، ومسلم رقم (١٨٠٢) في الجهاد، باب غزوة خيبر، وأبو داود (٢٥٣٨) في الجهاد، باب الرجل يموت بسلاحه، والنسائي ٦ / ٣٠ و ٣١ في الجهاد، باب من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه أحمد (٤/٤٧) قال: حدثنا حماد. وفي (٤/٤٨) قال: حدثنا صفوان، وفي (٤/٥٠) قال: حدثنا يحيى بن سعيد. والبخاري (٣/١٧٨) قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مَخْلد. وفي (٥/١٦٦) قال: حدثنا عبد الله بن مَسْلَمة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل. وفي (٧/١١٧، ٩/٩) قال: حدثنا المكي بن إبراهيم. وفي (٨/٤٣) قال: حدثنا قُتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل. وفي (٨/٩٠) قال: حدثنا مُسَدَّد، قال: حدثنا يحيى. ومسلم (٥/١٨٥، ٦/٦٥) قال: حدثنا قُتيبة بن سعيد، ومحمد بن عباد، قالا: حدثنا حاتم - وهو ابن إسماعيل -. (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا حماد بن مَسْعَدَة، وصفوان بن عيسى. (ح) وحدثنا أبو بكر بن النضر، قال: حدثنا أبو عاصم النبيل. وابن ماجة (٣١٩٥) قال: حدثنا يعقوب بن حُميد بن كاسب، قال: حدثنا المُغيرة بن عبد الرحمن.
سبعتهم - حماد بن مَسْعَدة، وصفوان، ويحيى، وأبو عاصم، وحاتم، والمكي، والمغيرة - عن يزيد بن أبي عُبيد، فذكره.
ورواه أيضا عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن سلمة بن الأكوع قال: فذكر الرواية الأخرى «لما كان يوم خيبر» .
أخرجه أحمد (٤/٤٦) قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُريج، ومسلم (٥/٨٦) قال: حدثني أبو الطاهر، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس. والنسائي في عمل اليوم والليلة (٥٣٥) قال: أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان، قال: حدثنا ابن عُفير، عن الليث عن ابن مُسافر.
ثلاثتهم - ابن جُريج، ويونس، وابن مُسافر - عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، فذكره.
(*) أخرجه أبو داود (٢٥٣٨) قال: حدثنا أحمد بن صالح. والنسائي (٦/٣٠) وفي عمل اليوم والليلة (٥٣٤) قال: أخبرنا عمرو بن سَوَّاد بن الأسود بن عمر. كلاهما - أحمد بن صالح، وعمرو - عن عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن، وعبد الله ابنا كعب بن مالك، أن سلمة بن الأكوع قال: فذكر الحديث.
(*) قال أبو داود: قال أحمد: كذا قال هو - يعني ابن وهب- وعنبسة، يعني ابن خالد، جميعا عن يونس قال أحمد: والصواب عبد الرحمن بن عبد الله.
(*) قال أبو عبد الرحمن النسائي: وهذا عندنا خطأ. والصواب: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن سلمة بن الأكوع، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>