للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عُمْرَة القَضَاء

٦١٣٣ - (خ م) البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: اعْتَمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- في ذي القَعدة، فأبى أهلُ مكةَ أن يَدَعُوه يدخلُ مكةَ، حتى قاضاهم على أن يدخلَ - يعني من العام المقبل - يُقِيمُ فيها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتابَ، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسولُ الله، قالوا: لا نُقِرُّ بها، فلو نعلمُ أنَّكَ رسولُ الله ما منعناك، ولكن أنتَ محمدُ بنُ عبد الله، فقال: أنا رسول الله، وأنا محمدُ بنُ عبد الله، ثم قال لعليِّ بن أبي طالب: امْحُ «رسول الله» قال: لا والله، لا أمحوك أبداً، فأخذ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وليس يُحسِنُ يَكْتُبُ - فَكَتبَ: هذا ما قاضى عليه محمدُ بنُ عبد الله: لا يُدْخِلُ مكةَ السلاحَ إلا السيفَ في القِراب، وأن لا يَخرُجَ من أهلها بأحَد إن أراد أن يَتَّبِعَه، وأن لا يمنع من أصحابه أحداً إن أراد أن يُقيم بها، فلما دَخَلها ومضى الأجلُ أَتَوْا عليّاً، فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عَنَّا، فقد مضى الأجل، فخرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-، فتَبِعَته ابْنَةُ حمزةَ تنادي: يا عمُّ، يا عم، فتناولها عليّ، فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونكِ بنتَ عَمِّكِ، فحملتها، فاختصم فيها عليّ وزيد وجعفر، قال عليّ: أنا أخذتُها وهي بنتُ ⦗٣٤٦⦘ عمّي، وقال جعفر: بنتُ عمّي، وخالتُها تحتي، وقال زيد: بنتُ أخي، فقضى بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- لخالتها، وقال: الخالةُ بمنزلة الأم، وقال لعليّ: أنتَ مِنِّي، وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهتَ خَلْقي وخُلُقِي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا.

وفي رواية قال: «لمّا صَالَحَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- أهلَ الحديبية: كتب عليّ بينهم كتاباً، فكتب: محمد رسولُ الله، فقال المشركون: لا تكتبْ: محمد رسولُ الله، لو كنتَ رسولاً لم نُقاتِلْكَ، ثم [قال] لعليّ: امْحُه، فقال علي: ما أنا بالذي أَمْحوه، فمحاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بيده، وصالحهم على أن يدخُل هو وأصحابُه ثلاثة أيام، وأن لا يدخلوها إِلا بِجُلُبَّان السِّلاح، فسألوه: وما جُلُبَّانُ السِّلاح؟ قال: القِرَابُ بما فيه» والمسؤول عن جُلُبَّان السِّلاح هو أبو إسحاق [السبَّيعي] ، بَيَّنَ ذلك عبيد الله بن معاذ العنبريّ في حديثه قال: قال شعبة لأبي إسحاق: ما جُلُبَّان السلاح؟ قال: القِرَابُ [وما فيه] .

وفي رواية قال: «صالَحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياءَ: على أن مَن أتاه من المشركين ردَّه إِليهم، ومَن أتاهم من المسلمين لم يردُّوه، وعلى أن يدخلَها من قابل، ويُقيمَ بها ثلاثةَ أيام، ولا يدخلَها إِلا بجُلُبَّان السلاح - السيف والقوس ونحوه - فجاء أبو جَنْدَل يَحْجُلُ في قُيُودِهِ، فردَّه إليهم» . ⦗٣٤٧⦘

وفي أخرى: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- لما أراد أن يَعْتَمرَ أَرْسَلَ إِلى أهل مكة يستأذِنُهم ليدخلَ مَكة، فاشترطوا عليه: أن لا يقيمَ بها إلا ثلاثَ ليال، ولا يدخُلها إِلا بجُلُبَّان السلاح، ولا يَدْعو منهم أحداً، قال: فأخذ يكتُبُ الشَّرْطَ بينهم عليُّ بنُ أبي طالب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسولُ الله، فقالوا: لو علمنا أنَّكَ رسولُ الله، لم نمنعْكَ، وتابَعْنَاكَ. وفي رواية لمسلم: بايعناك، ولكن اكتب: محمدُ بنُ عبد الله، فقال: أنا والله محمدُ بنُ عبد الله، وأنا رسولُ الله، قال: وكان لا يكتبُ، فقال لعليّ: امْحُ «رسولَ الله» ، فقال عليّ: لا والله لا أمحوه أبداً، قال: فأَرِنِيه، فأراه إِياه، فمحاهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بيده، فلما دخل ومضى الأجلُ أَتَوْا عليّاً، فقالوا: مُرْ صاحبَكَ فَلْيَرْتَحِلْ، فذكر ذلك عليّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: نعم، ثم ارْتَحَلَ.

وفي أخرى ثم قال لعليّ: امْحُ «رسولَ الله» ، قال: لا، والله لا أمحوك أبداً، قال: فأخذ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- الكتاب - وليس يُحسن يكتب - فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ... الحديث، وفيه ذكر بنت حمزة، والأخذ لها، والخصومة فيها» أخرجه البخاري ومسلم (١) . ⦗٣٤٨⦘

هذه «عمرة القضاء» : ليست من الغزوات، وإنما البخاري ذَكَرَها في كتاب الغزوات، حيث تضمَّنتْ ذِكْرَ المصالحة مع المشركين في الحديبية، وحيث ذكرها هاهنا اتَّبعناه، وذكرناها مثله.

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(القِرَابُ) قِرَابُ السيف: ما يوضَع فيه بغمدِه، شبيه بالجِراب، وأرادوا في صلحهم أن يستروا السلاح ولا يظهروه.

(جُلبَّان السلاح) الجُلبان أيضاً، يقال للقِراب وما فيه: جُلُبّان، وقال الأزهري: القِراب: غِمْدُ السيف، والجلبّان: شبه الجِراب من الأدَم يوضع فيه السيف مغموداً، ويَطرح فيه الراكب سَوطَه وأداته، ويعلقه في آخرة الرَّحْلِ، أو واسطته، وكأن اشتقاقه من الجُلْبة، وهي الجلدة التي تجعل على القَتَب، وهي كالغشاء للقِراب، وكذلك الجلدة التي تُغَشَّى بها التميمة تسمى جُلباناً، وقال ابن قتيبة «جُلُبّان» بضم الجيم واللام وتشديد الباء، قال: ولا أراه سُمِّي بذلك إلا لجفائه، ولذلك قيل للمرأة الغليظة الجافية: جُلُبّانة وفي بعض الروايات «ولا يدخلها إلا بجُلْبان [السلاح] : السيفِ والقوس ونحوهما» يريد: ما كان مُغمَداً يحتاج في إظهاره إلى معاناة، لا بالرِّماح والقنا، لأنها أسلحة مُظْهَرة يمكن تعجيل الأذى بها، قال الهروي: والقول ما قال الأزهري. ⦗٣٤٩⦘

(يحجُل) الحَجْل: مشي المقيَّد ليقارب ما بين خطوه.


(١) رواه البخاري ٧ / ٣٨٥ - ٣٩١ في المغازي، باب عمرة القضاء، وفي الحج، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، وباب لبس السلاح للمحرم، وفي الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن فلان وفلان ابن فلان، وفي الجهاد، باب المصالحة على ثلاثة أيام، أو وقت معلوم، ومسلم رقم (١٧٨٣) في الجهاد، باب صلح الحديبية في الحديبية.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه أحمد (٤/٢٩٨) قال: حدثنا حجين. وفيه (٤/٢٩٨) أيضا قال: حدثناه أسود بن عامر. والدارمي (٢٥١٠) قال: حدثنا محمد بن يوسف. والبخاري (٣/٢١، ٢٤١، ٥/١٧٩) قال: حدثنا عبيد الله بن موسى. والترمذي (١٩٠٤، ٣٧١٦، ٣٧٦٥) قال: حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي. وفي (١٩٠٤) قال: حدثنا محمد بن أحمد (ابن مَدُّوَيْهِ) ، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى. وفي (٣٧١٦، ٣٧٦٥) قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى.
خمستهم - حجين، وأسود، ومحمد بن يوسف، وعبيد الله، ووكيع- عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>