للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفصل الخامس: في نشأته وتنقله صلى الله عليه وسلم]

لمَّا أعادته، - صلى الله عليه وسلم-، حليمةُ السَّعدية إلى أمِّه خرجت به أمُّه بعد ذلك إلى أخوال أبيه بني عَدِيّ بن النَّجَّار بالمدينة تزورهم ومعها أمُّ أيمن حَاضنته فأقامت عندهم ⦗٩٢⦘ شهراً، ثم رجعت به إلى مكة، وماتت بالأبواء كما تقدَّم ذِكْره، فقدمت به أمُّ أيمن إلى مكَّة بعد موت أمِّه بخمسة أيام، فَقَبَضَهُ منها جَدُّه عبد المُطَّلب بن هاشم فكفَله، فلمّا حضرته الوفاةُ أوصى به أبا طالب عمَّه، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ ثماني سنين، وقيل: أقل، وقيل: أكثر.

فَقَبَضَهُ أبو طالب وكفَلَهُ وأحسن تربيته، والخلافة عليه إلى أن كبر وبلغ خمس عشرة سنة ومَلَكَ نَفْسَهُ فانفرد عنه. وكان مائلاً إليه لحُبِّه إيَّاه وشفقته عليه، ولوجاهته في بني هاشم. وكان خرج به عَمُّه أبو طالب تاجراً إلى الشّام، وله ثلاث عَشَرَة سنة، فرآه بَحِيرى الرَّاهب يتيماً، فعرفه بعلائم النُّبُوة والصِّفة التي عنده، فلم يزل يناشد أبا طالب حتى ردَّه إلى مكة فأقام بها إلى أن بلغ خمساً وعشرين سنة. ثم خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد إلى الشام، فوصل إلى بصرى، فباع وتعوض، وعاد إلى مكة. ثم تزوجها بعد ذلك بشهرين.

فلما بلغ خمساً وثلاثين سنة شهد بُنيان الكعبة، وتراضت قُريشُ بحُكْمِه فيها.

وكان يُدعى بينهم الأمين، إلى أن بَلَغ الأربعين، فبعثه الله عز وجل وجاءه الوحي وذلك يوم الاثنين، فأقام مسراً أمره ثلاث سنين أو نحوها، ثم أمره الله بإظهار دينه والدّعاء إليه (١) .

قالوا: أتته النُّبُوة على رأس الأربعين، ووكَّل الله به إسرافيل ثلاث سنين، ثم جاءه جبريل بعد ذلك بالرسالة، ولم ينزل عليه قرآن على لسان إسرافيل، إنما نزل على لسان جبريل، ويقال: إن مبعثه كان وله أربعون سنة وشهران وعشرة أيام.

وقيل: بل كان مبعثه لاستكمال الأربعين يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة للإسكندر، وهذا هو الصحيح عند أهل العلم بالأثر وأهل المعرفة بالتاريخ والسِّير. فلما أُمِرَ بإظهار الدِّين امتثل الأمر، ودعا إليه النّاس، فاستجاب له السباقون الأولون، مثل علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وأبي بكر الصِّدِّيق، وعُثمان بن عفَّان، وسعد بن أبي وقّاص، ومن بعدهم.

وقد اختلف العلماء في أولهم إسلاماً مع إجماعهم على أن خديجة أول الناس إسلاماً، والأكثرون على أن علياً تلاها في الإسلام. ⦗٩٣⦘ فلمّا رأى المشركون ذلك خالفوه وعاندوه وأظهروا عداوته، واجتمعوا على أذاه، وهمُّوا بقتله، فأجاره عَمُّه أبو طالب، ودفع عنه وحَمَاهُ إلا أن قريشاً تضافروا على بني هاشم وبني المطلب حتى حصروهم في الشّعب بعد المبعث بست سنين، فمكثوا في ذلك الحِصار ثلاث سنين، وخرجوا منه في أول سنة خمسين من عام الفيل.

فمات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وماتت خديجة بعده بثلاثة أيام، وقيل: بخمسة أيام، وقيل: بسبعة أيام، وقيل: أكثر من ذلك، فبان أثر موتهما على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم-.

فخرج إلى الطائف ومعه مولاه زيد بن حارثة يطلب منهم المنعة، فأقام عندهم شهراً، فلم يلقَ عندهم خيراً، فرجع إلى مكة في جوار المُطْعِم بن عَدِيّ وله إحدى وخمسون سنة وأشهر، وقيل: كان ذلك سنة إحدى وخمسين.

وفيها قدم عليه جنّ نَصِيبين بعد ثلاثة أشهر فأسلموا.

وفيها أُسْرِي به [- صلى الله عليه وسلم-] من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وقيل: كان الإسراء بعد رجوعه من الطائف بسنة ونصف، وذلك سنة اثنتين وخمسين، وفيه خلاف بين العلماء.

ثم أذن الله عزَّ وجلَّ له في الهجرة، فهاجر إلى المدينة، وله ثلاث وخمسون سنة. وكان قد هاجر إلى الحَبَشة وإلى المدينة قبله جماعة من المسلمين، منهم: عمر بن الخطاب، وخلَّفَ علي بن أبي طالب بمكة على ودائع الناس التي كانت عنده ليعيدها إليهم، ثم لحق به، فوصل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- المدينة يوم الاثنين وقيل: يوم الجمعة قريباً من نصف النهار لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وتسع مائة للإسكندر.

وكانت العقبة قبل الهجرة بشهرين وليال، وقيل: قدم المدينة لهلال ربيع الأول، وقيل: لثمان خلونَ منه، فنزل في بني عمرو بن عوف بقُبَاءَ، فأقام فيهم أربعة أيام، وقيل: ثلاثة أيام، وقيل: بضعة عشر يوماً، وأسس مسجدهم، وخرج عنهم إلى المدينة، فنزل على أبي أيوب الأنصاري النَّجَّاري، فلم يزل عنده إلى أن بنى مسجده ومساكنه، فلما فرغت انتقل إليها وذلك في السنة الأولى من هجرته. ولم يغز بنفسه في تلك السنة، وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد ذلك بخمسة أشهر.

وبعث عمَّه حمزة غازياً في جمادى الأولى، فكان أول من غزا في سبيل الله وأوّل من عقدت له راية في الإسلام، وفي السنة الثانية كانت غزوة بدر الكبرى، وهي ⦗٩٤⦘ أول غزوة غزا فيها بنفسه، وكانت غزواته التي غزا فيها بنفسه ستاً وعشرين غزوة، هذا أكثر ما قيل في ذلك، وفي هذه السنة فرِضَ صوم شهر رمضان.

وفي السنة الثالثة كانت غزوة أُحد، وحُرِّمَتْ الخمر.

وفي السنة الرابعة قصرت الصَّلوات، ونزلت آية التَّيمم.

وفي السَّنة الخامسة كانت غزوة الخندق، وصلاة الخوف.

وفي السنة السادسة كانت غزوة الحُدَيبيّة، وحديث الإفك، وقيل: بل كان في سنة خمس، وفيها استسقى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-.

وفي السنة السابعة كانت غزوة خيبر، وقدم جعفر بن أبي طالب ومن معه من الحبشة.

وفي السنة الثامنة كانت غزوة مُؤْتَة، وفتح مكّة في شهر رمضان.

وفي السنة التاسعة كانت غزوة تبوك، وحجَّ أبو بكر الصِّدِّيق بالناس.

وفي السنة العاشرة كانت حجة الوداع، ولم يحجَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة سواها، وكان حجّ قبل النُّبُوّة وبعدها حجّات لم يتفق العلماء على عددها، واعتمر بعد الهجرة أربع عُمَر.

وفي هذه السنة مات إبراهيم ابن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-.

وفي السنة الحادية عشرة كانت وفاته - صلى الله عليه وسلم-.


(١) انظر الطبقات لابن سعد ١ / ١١٨ - ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>