للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفصل الرابع: في أحكام القتال والغزو]

١٠٧٣ - (م د ت) بُرَيْدةُ - رضي الله عنه -: قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّرَ أميراً على جيشٍِ، أو سريَّةٍ، أوْصَاهُ في خاصَّته بتقْوى الله، ومَنْ معهُ من المسلمين خيراً، ثم قال: اغْزُوا باسْمِ الله في سبيل الله، قاتِلوا مَنْ كفر بالله، اغزوا ولا تغُلُّوا، ولا تغْدِروا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقْتُلوا وَليداً، وإذا لَقِيتَ عدوَّك من المُشْركين، فادْعُهُمْ إلى ثلاثِ خصالٍ - أو خلالٍ - فَأيَّتُهُنَّ ⦗٥٩٠⦘ ما أجابوك فاقْبَلْ منهم، وكُفَّ عنهم، ثُمَّ ادعهم (١) إلى الإسلام، فإنْ أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم، ثم ادْعهم إلى التَّحَوُّلِ مِنْ دارِهم إلى دار المهاجرين، وأَخبِرْهُمْ، أَنَّهَمْ إنْ هم فعلوا ذلك، فلهم ما لَلمُهاجرينَ، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوَّلوُا منها، فأخبِرْهِمْ: أنَّهُمْ يكونُون كأعرابِ المسلمين يَجْرى عليهم حُكْم اللهِ الذي يجرى على المؤمنين، ولا يكونُ لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أَنْ يجاهدُوا مع المسلمين، فإنْ هُمْ أبوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيةَ، فَإنْ هُمْ أجابُوكَ فاقْبَلْ منهم، وكُفَّ عنهم (٢) ، فإنْ [هم] أبَوْا فَاْستَعِنْ بالله عليهم ⦗٥٩١⦘ وقاتلهم، وإذا حَاصَرْت أهل حصْنٍ، فأرادُوكَ أنْ تجعلَ لهم ذِمَّةَ اللهِ وذِمَّة نبيِّه، فلا تجعلْ لهم ذِمَّة اللهِ ولا ذمّة نبيِّهِ، ولكن اجعل لهم ذِمَّتَكَ وذِمَّةَ أصحابِكَ، فإنَّكمْ أنْ تُخْفِرُوا ذِمَمكم وذِمَّةَ أصحَابِكمْ أهْوَنُ مِنْ أنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وذِمَّةَ رسولِه، وإذا حاَصرْتَ أَهلَ حِصْنٍ، وأرادُوكَ أن تُنْزِلهم على حُكْمِ اللهِ، فلا تُنْزِلهمْ على حُكمِ الله، ولكن أَنْزِلْهم على حكمك، فإنك لا تدري: أتُصيبُ فيهم حُكمَ اللهِ، أم لا؟ هذه رواية مسلم.

وأخرجه الترمذي مختصراً، وهذا لفظه:

قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا بعثَ أميراً على جَيشٍ أوصاه في خاصَّةِ نفسِهِ بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، فقال: «اغْزُوا باسمِ الله، وفي سبيل الله، قاتِلوا مَنْ كَفَرَ بالله، اغزُوا ولا تغُلُّوا، ولا تغدِرُوا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتُلوا وَليداً» ، قال: وفي الحديث قِصَةٌ.

وأخرجه أيضاً في موضع آخر من كتابه مثل مسلم بطوله، وأسقط منه: ذِكْرَ الجزية وطلبَها مِنْهُمْ، والباقي مثلهُ.

وقال بعده: من رواية أُخرى نحوه بمعناه، ولم يذكر لفظه، إلا أنه قال: وزاد ... وذكر حديث الجزية.

وأخرجه أبو داود، نحو رواية مسلمٍ بتغيير بعض ألفاظهِ وأسقط منه ⦗٥٩٢⦘ حديث: «ذمَّةَ الله ورسوله» وزاد في آخره: «ثم اقضوا فيهم بعدُ ما شئتُم» وأسقط من أوله من قوله: «اغْزُوا باسم الله» إلى قوله: «وليداً» ، ثم عاد وأخرجه عقيبَ هذا الحديث مُفرداً، فصار الجميع مُتَّفَقاً عليه (٣) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(خاصته) خاصة الإنسان: نفسه ومن يلزمه أمره من أهله وأقاربه وأصحابه.

(لا تغلوا) الغل الخيانة، والغُلول: ما يخفيه أحد الغزاة من الغنيمة، ولم يُحضره إلى أمير الجيش ليدخله في القسمة.

(لا تمثِّلوا) المثلة: تشويه خلقة القتيل، والتنكيل به.

(وليداً) الوليد الصبي الصغير، والجمع ولدان.

(خِلال) جمع خَلَّة، وهي الخصلة.

(أعراب) الأعراب ساكنو البادية من العرب.

(الغنيمة) ما حصله الغزاة بسيوفهم عن قتال.

(الفيء) ما حصل لهم من أموال العدو عن غير قتال. ⦗٥٩٣⦘

(الجزية) البراءة، وهي فعلة، من جزيت.

(يُخفروا الذمة) الذمة، الأمانة، وإخفارها: نقضها وترك العمل والوفاء بها.

(تنزلهم) أي: تلجئهم، وأصله كأنه يضطره إلى أن ينزل من العلو إلى السفل.


(١) قال النووي: هو في جميع نسخ مسلم " ثم ادعهم " قال القاضي عياض: صواب الرواية " ادعهم " بإسقاط " ثم " وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد، وفي سنن أبي داود وغيرهما؛ لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها.
وقال المازري: ليست " ثم " هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام.
ومعنى الحديث: أنهم إذا أسلموا يستحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة، فإن فعلوا كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة، وإلا فهم كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو، فيجري عليهم أحكام الإسلام، ولا حق لهم في الغنيمة والفيء، وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة إن كانوا بصفة استحقاقها.
قال الشافعي: الصدقات للمساكين ونحوهم ممن لا حق لهم في الفيء، والفيء للأجناد، ولا يعطى أهل الفيء من الصدقات، ولا أهل الصدقة من الفيء، واحتج بهذا الحديث، وقال مالك وأبو حنيفة: المالان سواء ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين.
وقال أبو عبيد: هذا الحديث منسوخ، وإنما كان هذا الحكم أول الإسلام لمن لم يهاجر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} ، وهذا الذي ادعاه أبو عبيد لا يسلم له.
(٢) قال النووي: هذا مما يستدل به مالك والأوزاعي وموافقوهما في جواز أخذ الجزية من كل كافر، عربياً كان أو عجمياً، كتابياً أو مجوسياً أو غيرهما.
وقال أبو حنيفة: تؤخذ الجزية من جميع الكفار، إلا مشركي العرب ومجوسهم، وقال الشافعي: لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس، عرباً كانوا أو عجماً، ويحتج بمفهوم آية الجزية، ⦗٥٩١⦘ وبحديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "، ويتأول هذا الحديث على أن المراد بأخذ الجزية أهل الكتاب؛ لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب وغيرهم، وكان تخصيصهم معلوماً عند الصحابة.
(٣) مسلم رقم (١٧٣١) في الجهاد، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، والترمذي رقم (١٦١٧) في السير، باب ما جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم في القتال، ورقم (١٤٠٨) في الديات، باب ما جاء في النهي عن المثلة، وأبو داود رقم (٢٦١٢) في الجهاد، باب دعاء المشركين، ومختصراً رقم (٢٦١٣) .

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح:
١ - أخرجه أحمد (٥/٣٥٢) قال: ثنا وكيع. وفي (٥/٣٥٨) قال: ثنا عبد الرحمن. والدارمي (٢٤٤٤) و (٢٤٤٧) قال: أخبرنا محمد بن يوسف. ومسلم (٥/١٣٩) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع بن الجراح. (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا يحيى بن آدم. (ح) وحدثني عبد الله بن هاشم، قال: حدثني عبد الرحمن - يعني ابن مهدي -. وأبو داود (٢٦١٢) قال: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال: حدثنا وكيع. وفي (٢٦١٣) قال: حدثنا أبو صالح الأنطاكي محبوب ابن موسى، قال: أخبرنا أبو إسحاق الفزاري. وابن ماجة (٢٨٥٨) قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، والترمذي (١٤٠٨ و ١٦١٧) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي. وفي (١٦١٧) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد. والنسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (١٩٢٩) عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، عن إسحاق الأزرق.
سبعتهم - وكيع، وعبد الرحمن، ومحمد بن يوسف، ويحيى بن آدم، وأبو إسحاق، وأبو أحمد، وإسحاق الأزرق - عن سفيان.
٢ - وأخرجه مسلم (٥/١٤٠) قال: حدثني حجاج بن الشاعر، قال: حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث. وفي (٥/١٤٠) قال: حدثنا إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء، عن الحسن بن الوليد. والنسائى في الكبرى «تحفة الأشراف» (١٩٢٩) عن أحمد بن حفص، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان. (ح) وعن محمود بن غيلان، عن عبد الصمد بن عبد الوارث.
ثلاثتهم (عبد الصمد، والحسين، وإبراهيم) عن شعبة.
٣ - وأخرجه النسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (١٩٢٩) عن أحمد بن سليمان، عن يعلى بن عبيد، عن إدريس الأودي.
ثلاثتهم - سفيان، وشعبة، وإدريس - عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، فذكره.
في رواية سفيان. قال: قال علقمة: فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان، فقال: حدثني مسلم، هو ابن هيصم، عن النعمان بن مقرن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث سليمان بن بريدة.
قال الترمذي: وحديث بريدة حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>