إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فإن السنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول الأحكام الشرعية التي أجمع المسلمون على اعتبارها أصلاً قائماً بذاته، فهي والقرآن متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فالقرآن كليُّ هذه الشريعة، والرسول صلى الله عليه وسلم مبين بسنته لجزئياتها. قال الله تعالى:{وأنزلنا إليك الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ للنَّاس ما نُزِّلَ إليهم}[النحل: ٤٤] .
فما ورد في القرآن من الآيات مجملاً أو مطلقاً أو عاماً، فإن السنة النبوية، القولية منها أو الفعلية تقوم ببيانها، فتقيد مطلقها، وتخصص عامها، وتفسر مجملها، ولذا كان أثرها عظيماً في إظهار المراد من الكتاب، وفي إزالة ما قد يقع في فهمه من خلاف أو شبهة.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:" إن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه، فيه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبِّر عن كتاب الله، الدال على معانيه ".