للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكتاب الثالث: في ذم الدنيا، وذم أماكن من الأرض، وفيه فصلان

[الفصل الأول: في ذم الدنيا]

٢٥٩٨ - (خ م س) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: قال: جلس رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- على المِنْبَرِ، وجلسنا حَوْلَهُ، فقال: «إِن ممَّا أَخَافُ عليكم بَعدي: ما يُفتَحُ عَليكُم مِن زَهرَةِ الدنيا وزِينَتِها» ، فقال رجلٌ: أَوَ يَأتي الخيرُ بالشَّرِّ يا رسولَ الله؟ قال: فسكتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، فقيل [له] : ما شأنُكَ تُكَلِّمُ رسولَ الله، ولا يُكَلِّمُك؟ قال: ورُئِينَا أَنَّهُ يُنزَلُ عليه، فأَفَاقَ يمسَحُ عنه الرُّحَضَاءَ، وقال: أين هذا السائل؟ - وكأنه حَمِدَهُ - فقال: إِنَّهُ لا يأتي الخيرُ بالشرِّ - وفي روايةٍ: فقال: أينَ السائلِ آنفاً؟ أَوَ خَيرٌ هوَ؟ - ثلاثاً- إِن الخير لا يأتي إلا بالخير- وإِن مما يُنْبِتُ الربيعُ يَقْتُلُ حَبَطاً أو يُلِمُّ، إِلا آكِلَةَ الْخَضِرِ، فَإِنها أكلت، حتى إِذا امْتَدَّتْ خاصِرَتَاها استقبلت عيْنَ الشمس، فَثَلَطَتْ وبَالَت، ثم رَتَعَتْ، وإِن هذا المال خَضِرٌ حُلْوٌ، ⦗٥٠٢⦘ وَنِعْمَ صاحبُ المُسْلِم هو، لمن أَعطى منه المسكينَ واليتيم وابنَ السبيل - أو كما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- «وإِن مَن يَأْخُذُهُ بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه (١) شَهِيداً يوم القيامة» .

وفي روايةٍ: «إِن أَخْوَفَ ما أخافُ عليكم ما يُخرِجُ الله لكم من زَهرةِ الدنيا، قالوا: وما زهرةُ الدنيا يا رسولَ الله؟ قال: بَرَكات الأرض ... وذكر الحديث، وفي آخره: فمن أَخذه بحقه، ووضعه في حقه فَنِعْمَ المعونةُ هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع» . أخرجه البخاري، ومسلم.

وفي رواية أخرى لمسلم بنحوه، وأخرجه النسائي مثلهما (٢) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(زهرة الدنيا) : حسنها وبهجتها.

(رحضاء) : الرحضاء: العرق الكثير.

(آنفاً) : فعلت الشيء آنفاً، أي: الآن.

(خَضِرة) : الخضرة: الناعمة الغضة. ⦗٥٠٣⦘

(حَبطَاً) : حَبِطَ بطنه: إذا انتفخ فهلك.

(أو يُلم) : ألم به يلم: إذا قاربه ودنا منه، يعني: أو يقرب من الهلاك.

(الخَضِر) : ضروب من النبات مما له أصل غامض في الأرض، كالنصي والصليان، وليس من أحرار البقول، وإنما هو من كلأ الصيف في الغيض، والنَّعم لا تستكثر منه، وإنما ترعاه لعدم غيره. وواحد الخَضِر: خَضِرة.

(فَثَلَطَت) : ثَلَط البعير يثلط: إذا ألقى رجيعه سهلاً رقيقاً. وفي هذا الحديث مثلان، أحدهما: للمفرط في جمع الدنيا. والآخر: للمقتصد في أخذها والانتفاع بها، فأما قوله: «وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حَبطاً أو يلم» فإنه مثل للمفرط الذي يأخذ الدنيا بغير حقها، وذلك: أن الربيع ينبت أحرار البقول، فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه، حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الاحتمال، فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك، أو تقارب الهلاك، وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حقها ويمنعها من حقها: قد تعرض للهلاك في الآخرة، لا بل في الدنيا، وأما مثل المقتصد، فقوله: «إلا آكلة الخضر» وذلك: أن الخضر ليس من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم، ولكنه من التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها، حيث لا تجد سواها، وتسميها العرب: الجَنْبَة، ⦗٥٠٤⦘ فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمرئها، فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلاً لمن يقتصر في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وبالها، كما نجت آكلة الخضر. ألا تراه قال: أكلت، حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت، أراد أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس، تستمرئ بذلك ما أكلت، وتجتر وتثلط، فإذا ثلطت فقد زال عنها الحبط، وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول، فيعرض لها المرض فتهلك.

(بركات الأرض) : أراد ببركات الأرض: نماءها [وما] تخرج من نباتها.


(١) في الأصل: عليهم، والتصحيح من البخاري ومسلم والنسائي.
(٢) رواه البخاري ٣ / ٢٥٨ في الزكاة، باب الصدقة على اليتامى، وفي الجمعة، باب يستقبل الإمام القوم واستقبال الناس الإمام إذا خطب، وفي الجهاد، باب فضل النفقة في سبيل الله، وفي الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، ومسلم رقم (١٠٥٢) في الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، والنسائي ٥ / ٩٠ في الزكاة، باب الصدقة على اليتيم.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح:
١- أخرجه أحمد (٣/٧ و ٢١) قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير. وفي (٣/٩١) قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا الدستوائي، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير. وفي (٣/٩١) قال: حدثنا سريج، قال: حدثني فليح. والبخاري (٢/١٢ و ١٤٩) قال: حدثنا معاذ بن فضالة، قال: حدثنا هشام، عن يحيى. وفي (٤/٣٢) قال: حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا فليح. ومسلم (٣/١٠١) قال: حدثني علي بن حجر، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام صاحب الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير. والنسائي (٥/٩٠) قال: أخبرني زياد بن أيوب، قال: حدثنا إسماعيل بن علية، قال: أخبرني هشام، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير. كلاهما (يحيى، وفليح) عن هلال بن أبي ميمونة. وقال فليح: عن هلال بن علي.
٢ - وأخرجه البخاري (٨/١١٣) قال: حدثنا إسماعيل. ومسلم (٣/١٠١) قال: حدثني أبو الطاهر، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب. كلاهما (إسماعيل، وابن وهب) عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>