للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٧٥ - (خ ت) محمد بن شهاب الزُّهريُّ - رحمه الله -: عن أنسٍ، أَنَّ حُذَيفَة بن اليمان قَدِمَ على عثمان وكان يُغازِي أهْل الشَّامِ في فَتْحِ إِرْمِينِيَّةَ، وأذْربِيجان مع أهل العراقِِ، فَأفْزَعَ حُذَيفَةَ اخْتِلافُهُمْ في القراءةِ، فقال حذيفةُ لعثمان: يا أميرَ المؤمنين، أدْرِكْ هذه الأمَّة قبل أن يخَتلفُوا في الكتاب اختلافَ اليهودِ والنَّصارَى، فأرسَل عثمانُ إلى حفصةَ: أنْ أرْسِلي إلينا بالصُّحُفِ ⦗٥٠٤⦘ نَنْسَخُها في المصاحفِ، ثُمَّ نَرُدُّها إليْكِ، فأرسلت بها إليه، فأمَرَ زَيَد بن ثابتٍ وعبدَ الله بنَ الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدَ الرحمن بنَ الحارثِ بن هشامٍ، فَنسَخُوها في المصاحفِ، وقال عثمان للرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ: إذا اخْتَلَفْتُم أنُتم وزَيدُ بنُ ثابتٍ في شيءٍ من القرآن (١) ، فاكْتُبُوهُ بلِسانِ قُريشٍ، فإنما نزل بلسانهمِ، فَفَعَلُوا، حتى إذَا نَسَخُوا الصحفَ في المصاحف، رَدَّ عثمانُ الصحفَ إلى حفصَةَ، وأَرْسَل إلى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مما نَسَخُوا (٢) ، وأمَرَ بما سِوَى ذلك من القرآن، في كل صحيفةٍ أو مُصْحفٍ أن يُحرقَ.

قال ابن شهاب: وأخبَرَني خارِجة بنُ زيدٍ بن ثابت: أنه سمع زيدَ بنَ ثابت يقول: فَقَدْتُ آية من سورة الأحزاب حين نَسَخْتُ الصحفَ قد كنتُ أسمعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقرأُ بها، فالتَمَسْناها، فَوَجَدنَاها مع خزْيمةَ بن ثابتٍ ⦗٥٠٥⦘ الأنصاري (٣) {من المؤمنين رجالٌ صدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عليه} [الأحزاب: ٢٣] ، فألَحقْناها في سورتها من المصحف.

قال في رواية أبي اليمان: خُزيمةُ بنُ ثابتٍ الذي جعل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شهادَتهُ شهادة رجلْين (٤) . ⦗٥٠٦⦘

زاد في رواية أخرى: قال ابن شهابٍ: اختلفوا يومئذ في (التابوت) فقال زيدٌ: (التَّابُوهُ) وقال ابن الزُّبير وسعيدُ بنُ العاص (التابوت) فَرُفِعَ اختلافُهم إلى عثمانَ، فقال: اكْتُبُوه (التابوت) فإنَّهُ بِلِسان قُريشٍ. أخرجه البخاري، والترمذي.

وزاد الترمذي (٥) : قال الزهري. فأخبرني عبيدُ اللهِ بنُ عبدِ الله، أنَّ عَبدَ الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه- كرهَ لزيدِ بن ثابت نسخَ المصاحفِ، وقال: يا مَعْشَرَ المسلمين، أُعْزَلُ عن نسْخِ الْمصاحِفِ، ويَتَولاها رُجلٌ، واللهِ لقد أَسْلَمْتُ وإنه لفي صُلْبِ رُجلٍ كافر يريد: زيد بن ثابتَ ولذلك قال عبد الله بنُ مسعودٍ: يا أهْلَ العراقِ، اكْتُمُوا المصاحِفَ التي عندكم وغُلُّوها، فإنَّ الله يقولُ: {ومَنْ يغْلُلْ يأْتِ بما غَلَّ يومَ القيامةِ} [آل عمران: ١٦١] ، فاتَّقُوا الله بالْمَصَاحِفِ.

قال الزهري: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كَرِهَهُ مِنْ مَقَالَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ من ⦗٥٠٧⦘ أفَاضِلِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (٦) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(غلوها) أي: اكتموها واخفوها، وأصله من الغل بمعنى: الخيانة.


(١) وللبخاري من رواية شعيب بن أبي حمزة: " في عربية من عربية القرآن ".
(٢) واختلف في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق. فالمشهور: أنها خمسة.
وقد أخرج ابن أبي داود في كتاب " المصاحف " ص ٣٤ من طريق حمزة الزيات قال: " أرسل عثمان أربعة مصاحف " وبعث منها إلى الكوفة بمصحف، فوقع عند رجل من مراد، فبقي حتى كتبت مصحفي منه.
وقال ابن أبي داود " وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول: «كتب سبعة مصاحف، فبعث واحداً إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحداً» ، وأخرج ص ٣٥، بإسناد صحيح إلى إبراهيم النخعي قال: قال رجل من أهل الشام: مصحفنا ومصحف أهل البصرة أحفظ من مصحف أهل الكوفة، قال: قلت: لم؟ قال: إن عثمان رضي الله عنه لما كتب المصاحف بلغه قراءة أهل الكوفة على حرف عبد الله، فبعث به إليهم قبل أن يعرض، وعرض مصحفنا ومصحف أهل البصرة قبل أن يبعث به ... .
(٣) قال الحافظ في " الفتح " ٩ / ١٧: وظاهر حديث زيد بن ثابت هذا، أنه فقد آية الأحزاب من الصحف التي كان نسخها في خلافة أبي بكر، حتى وجدها مع خزيمة بن ثابت. ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن شهاب، أن فقده إياها إنما كان في خلافة أبي بكر، وهو وهم منه، والصحيح ما في الصحيح، وأن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآيتان من آخر براءة، وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان.
قال العلماء: الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان: أن جمع القرآن في عهد أبي بكر كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتب الآيات، مقتصراً فيه على ما لم تنسخ تلاوته، مستوثقاً له بالتواتر والإجماع. وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة، مجموعاً مرتباً خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفاظه. وأما الجمع في عهد عثمان فقد كان عبارة عن نقل ما في تلك الصحف في مصحف واحد إمام، واستنسخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية، ملاحظاً فيها ترتيب سوره وآياته جميعاً، وكتابته بطريقة تجمع وجوه القراءات المختلفة، وتجريده من كل ما ليس قرآناً، والغرض منه إطفاء الفتنة التي اشتعلت بين المسلمين حين اختلفوا في قراءة القرآن وجمع شملهم وتوحيد كلمتهم والمحافظة على كتاب الله من التغيير والتبديل.
(٤) قصته في الشهادة أخرجها أبو داود رقم (٣٦٠٧) والنسائي ٧ / ٣٠١ و ٣٠٢ من طريق الزهري عن عمارة بن خزيمة عن عمه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من أعرابي فرساً، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي، فقال: " أوليس قد ابتعته منك؟ " فقال الأعرابي: لا والله ما بعتكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بلى قد ابتعته منك " فطفق ⦗٥٠٦⦘ الأعرابي يقول: هلم شهيداً. فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: " بم تشهد؟ " فقال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين، وإسناده صحيح.
(٥) هذه الزيادة مرسلة، لأن عبيد الله بن عتبة بن مسعود لم يسمع من عم أبيه عبد الله بن مسعود، لكن أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف " ص ١٤ و ١٦ من طريق خمير - ووقع في المصاحف حميد وهو تصحيف - بن مالك، سمعت ابن مسعود يقول: فذكره بنحوه. ومن طريق أبي وائل عن ابن مسعود ومن طريق زر بن حبيش عنه مثله. قال الحافظ: والعذر لعثمان في ذلك أنه فعله بالمدينة، وعبد الله بالكوفة، ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر، وأيضاً فإن عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبي بكر، وأن يجعلها مصحفاً واحداً، وكان الذي نسخ ذلك هو زيد بن ثابت، وكان كاتب الوحي، فكانت له في ذلك أولية ليست لغيره.
(٦) أخرجه البخاري ٩ / ١٤ و ١٥ و ١٦ و ١٧ و ١٨ و ١٩ في فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وباب نزل القرآن بلسان قريش، وفي الأنبياء، باب نزل القرآن بلسان قريش، وأخرجه الترمذي رقم (٣١٠٣) في التفسير، باب ومن سورة التوبة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه البخاري (٤٩٨٧) قال: حدثنا موسى. و «الترمذي» (٣١٠٤) قال: ثنا محمد ابن بشار، قال: ثنتا عبد الرحمن ابن مهدي كلاهما - موسى، وعبد الرحمن بن مهدي- قالا: ثنا إبراهيم، قال: ثنا ابن شهاب، فذكره.
ومن رواية زيد بن ثابت قال: نسخت الصحف في المصاحف ففقعدت آية من سورة الأحزاب: أخرجه أحمد (٥/١٨٨) (قال: عبد الله وجدت هذه الحديث في كتاب أبي بخط يده) قال: حدثنا الحكم بن نافع، قال: أخبرنا شعيب: وفيه ٥/١٨٨ قال: ثنا أبو كامل، قال: ثنا إبراهيم. وفي (٥/١٩٨) قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر. وعبد بن حميد (٢٤٦) قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر والبخاري (٤/، ٢٣ ٦. /١٤٦) قال: حدثنا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب. وفي (٤/٢٤) قال: ثني إسماعيل: قال ثنى أخي عن سليمان أراه عن محمد بن أبي عتيق. وفي (٥/١٢٢ / ٢٢٦٦) قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا إبراهيم ابن سعد. و «الترمذي» ٣١٠٤ قال: ثنا محمد بن بشار، قال: ثناعبد الرحمن بن مهدي، قال ثنا إبراهيم بن سعد، و «النسائي» في الكبرى «تحفة الأشراف» ٣٧٠٣ عن الهيثم بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد.
أربعتهم- شعيب، إبراهيم بن سعد، ومعمر، ومحمد بن أبي عتيق -عن الزهري، عن خارجة بن زيد، فذكره.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث الزهري لا نعرفه إلا من حديثه.

<<  <  ج: ص:  >  >>