للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لنا، ولا سبيل لنا إلى معرفته، لأنَّا

لا ندري متى حصل لنا العلم بوجود مكة، وبوجود الشافعي مثلاً عند تواتر الخبر إلينا، وأنه كان بعد خبر المائة والمائتين، ويعسر علينا تجربة ذلك، وإن تكلفناها، فسبيل التكليف أن نراقب أنفسنا إذا قتل رجل في السوق مثلاً وانصرف جماعة من موضع القتل، ودخلوا علينا يخبرون عن قتله، فإن قول الأول يحرك الظن، وقول الثاني والثالث يؤكده، ولا يزال يتزايد تأكده إلى أن يصير ضروريًا لا يمكننا (١) أن نشكك فيه أنفسنا.

فلو تصور الوقوف على اللحظة التي يحصل العلم فيها ضرورة، وحفظ حساب المخبرين وعددهم، لأمكن الوقوف، ولكن درك تلك اللحظة أيضًا عسير، فإنه تتزايد قوة الاعتقاد تزايدًا خفي التدريج، نحو تزايد ضوء الصبح إلى أن يبلغ حد الكمال، فلذلك بقي هذا في غطاء من الإشكال، وتعذر على القوة البشرية إدراكه.

فأما ما ذهب إليه قوم من تخصيص عدد التواتر بالأربعين، أخذًا بعدد الجمعة، وبالسبعين، أخذًا من قوله تعالى: {واختار موسى قومَه سَبعين رجلاً لميقاتنا} (الأعراف: الآية ١٥٥) وبثلاثمائة وبضعة عشر، أخذًا بعدد أهل بدر، فكل ذلك تحكمات فاسدة، لا تُناسب الغرض، ولا تدل عليه.

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إن الأربعة ناقصة عن العدد الكامل، لأنها بينة شرعية تحصل بها غلبة الظن، ولا يُطلب الظن فيما يعلم ضرورة، قال: والخمسة لا تَوَقُّف فيها.


(١) في المطبوع ولا يمكننا.

<<  <  ج: ص:  >  >>