للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٨٨ - (خ ت) جبير بن حية - رحمه الله- (١) : قال بعثَ عمرُ النَّاسَ في أَفناءِ الأمصار، يُقاتِلُونَ المشركين، فأسلم الهُرْمُزانُ (٢) ، قال: إني مستشيركَ ⦗٦٠٥⦘ في مغازيَّ هذه (٣) ، قال: نعم، مَثَلُها ومَثلُ مَنْ فيها [منَ الناس، من عدُوِّ] المسلمين: مَثلُ طائرٍ له رأسٌ، ولهُ جَناحَانِ، ولَهُ رجلانِ، فإنْ كُسِرَ أَحدُ الَجْناحَينِ، نهضَتِ الرِّجلانِ بِجناحٍ والرأسُ، فإنْ كُسِرَ الَجْناحُ الآخرُ، نهضت الرجلان والرأسُ، وإن شُدِخَ الرأسُ، ذهبت الرجلانِ والجناحانِ والرأسُ، فالرأسُ: كِسرَى، والجناح: قَيْصرُ، والجناح الآخر: فاَرسُ، فَمُرِ المسلمينَ أنْ يَنْفِرُوا إلى كسرى، قال جُبَيْرُ بن حَيَّةَ: فَنَدبنا عُمَرُ، واسْتَعْملَ علينا النُّعْمانَ بنَ مُقرِّنِ (٤) ، حتى إذا كُنَّا بأَرْضِ العدوِّ، خَرجَ علينا ⦗٦٠٦⦘ عاملُ كِسرى في أَربعين ألفاً، فقام تَرْجُمان (٥) ، فقال: لِيُكَلِّمْني رَجلٌ مِنكم، فقال المغيرةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فقال: ما أنتم؟ قال: نحن ناسٌ من العربِ، كُنَّا في شَقاءٍ شديدٍ وبلاءٍ شديدٍ: نَمُصُّ الجِلدَ والنَّوى من الجوعِ، ونَلْبَسُ الوبَرَ والشَّعَرَ، ونعبدُ الشَّجرَ والحجرَ، فَبيْنا نحنُ كذلك، إذَ بعثَ ربُّ السمواتِ وربُّ الأرضين - تَعَالَى ذكْرُهُ وجَلَّت عظمته - إلينا نَبِيّاً من أَنْفُسِنا، نَعرفُ أَباَهُ وأُمَّهُ، فأمَرنا نبيُّنا، رَسُولُ رَبِّنا صلى الله عليه وسلم: أن نقاتِلكمْ حتى تعبدُوا الله وحده، أو تُؤدُّوا الجزيةَ، وأخبرنا نَبِيُّنا صلى الله عليه وسلم عن رسالةِ رَبِّنا: أنهُ من قُتل مِنَّا صارَ إلى الجنة، في نعيمٍ لم يُرَ مِثلُه، ومَنْ بَقي منا مَلَكَ رِقابَكُمْ، فقال النُّعمانُ: ربما أَشهدكَ الله مِثْلَها (٦) مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم يُنْدِمْكَ، ولم يُخْزِكَ ولكني شهدت القتال ⦗٦٠٧⦘ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا لم يُقاتِل في أوَّلِ النَّهار، انْتَظَرَ حتى تَهُبَّ الأرواحُ، وتَحْضُرَ الصلاةُ (٧) هذه رواية البخاري.

وأخرج الترمذي طرفاً من هذا الحديث عن معقل بن يسار، وهذا لفظه:

قال معقل بن يسار: إنَّ عمرَ بنَ الخطابِ بَعَثَ النُّعْمانَ بن مقرن إلى الهُرمزان - فذكر الحديث بطوله - فقال النعمان بن مقرن: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يُقَاتِلْ أوَّلَ النهار، انتظر حتى تَزُولَ الشَّمسُ، وتَهُبَّ الرياحُ، ويَنزلَ النَّصْرُ. هذا لفظ الترمذي.

وقد قال فيه: فذكر الحديث بطوله، ولم يذكره (٨) . ⦗٦٠٨⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(أفناء) الأفناء جمع فناء، وهو ما امتد من نواحي الأرض.

(فندبنا) أي بعثنا إلى الغزاة والجهاد.

(ولم يخزك) من الخزاية الاستحياء، أو هو من الخزي: الهوان.

(الأرواح) جمع ريح، لأن ياءها منقلبة عن واو، فعادت في الجمع إلى الأصل.


(١) قال الحافظ: " جبير بن حية " بفتح الحاء المهملة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة مشددة، وهو من كبار التابعين، واسم جده مسعود بن معتب بمهملة ومثناة ثم باء موحدة، ومنهم من عده في الصحابة وليس ذلك عندي ببعيد، لأن من شهد الفتوح في وسط خلافة عمر يكون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مميزاً، وقد نقل ابن عبد البر أنه لم يبق في سنة حجة الوداع من قريش وثقيف أحد إلا أسلم وشهدها وهذا منهم، وهو من بيت كبير فإن عمه عروة بن مسعود كان رئيس ثقيف في زمانه، والمغيرة بن شعبة ابن عمه.
(٢) في السياق اختصار كثير، لأن إسلام الهرمزان كان بعد قتال كثير بينه وبين المسلمين بمدينة تستر، ثم نزل على حكم عمر فأسره أبو موسى الأشعري، وأرسل به إلى عمر مع أنس، فأسلم فصار عمر يقربه ويستشيره، ثم اتفق أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب اتهمه بأنه واطأ أبا لؤلؤة على قتل عمر، فعدا على الهرمزان فقتله بعد قتل عمر.
(٣) قال الحافظ: ووقع في رواية ابن أبي شيبة من طريق معقل بن يسار " أن عمر شاور الهرمزان في فارس وأصبهان وأذربيجان " أي: بأيها يبدأ، وهذا يشعر بأن المراد أنه استشاره في جهات مخصوصة، والهرمزان كان من أهل تلك البلاد وكان أعلم بأحوالها من غيره، وعلى هذا ففي قوله في حديث الباب " فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس " نظر، لأن كسرى هو رأس أهل فارس، وأما قيصر صاحب الروم، فلم يكن كسرى رأساً لهم، وقد وقع عند الطبري من طريق مبارك بن فضالة قال: " فإن فارس اليوم رأس وجناحان " وهذا موافق لرواية ابن أبي شيبة وهو أولى، لأن قيصر كان بالشام ثم ببلاد الشمال، ولا تعلق لهم ببلاد العراق وفارس والمشرق. ولو أراد أن يجعل كسرى رأس الملوك وهو ملك المشرق وقيصر ملك الروم دونه ولذلك جعله جناحاً لكان المناسب أن يجعل الجناح الثاني ما يقابله من جهة اليمين كملوك الهند والصين مثلاً، لكن دلت الرواية الأخرى على أنه لم يرد إلا أهل بلاده التي هو عالم بها، وكأن الجيوش إذ ذاك كانت بالبلاد الثلاثة، وأكثرها وأعظمها بالبلدة التي فيها كسرى لأنه كان رأسهم.
(٤) هو المزني، كان من أفاضل الصحابة، هاجر هو وإخوة له سبعة وقيل عشرة، وقال ابن مسعود: " إن للإيمان بيوتاً، وإن بيت آل مقرن من بيوت الإيمان "، وكان النعمان قدم على عمر بفتح القادسية، فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان يصلي، فقعد، فلما فرغ قال: " إني مستعملك، قال: أما جابياً فلا، ولكن غازياً، قال: فإنك غاز " فبعث معه الزبير وحذيفة وابن عمر والأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب "، وقد كان عمر أراد المسير بنفسه، فبعث النعمان ومعه ⦗٦٠٦⦘ جماعة، وكتب إلى أبي موسى أن يسير بأهل البصرة، وإلى حذيفة أن يسير بأهل الكوفة، حتى يجتمعوا بنهاوند، وأميرهم النعمان بن مقرن.
(٥) قال الحافظ: وفي رواية الطبري من الزيادة " فلما اجتمعوا أرسل بندار إليهم: أن أرسلوا إلينا رجلاً نكلمه، فأرسلوا إليه المغيرة بن شعبة "، وفي رواية ابن أبي شيبة " وكان بينهم نهر. فسرح إليهم المغيرة، فعبر النهر، فشاور ذو الجناحين أصحابه كيف نقعد للرسول؟ فقالوا: اقعد له في هيئة الملك وبهجته، فقعد على سريره ووضع التاج على رأسه، وقام أبناء الملوك حوله سماطين، عليهم أساور الذهب والقرطة والديباج، قال: فأذن للمغيرة، فأخذ بضبعيه رجلان، ومعه رمحه وسيفه، فجعل يطعن برمحه في بسطهم ليتطيروا "، وفي رواية الطبري " قال المغيرة: " فمضيت ونكست رأسي، فدفعت فقلت لهم: إن الرسول لا يفعل به هذا ".
(٦) الخطاب في " أشهدك " للمغيرة، وكان على ميسرة النعمان، أي: أحضرك الله مثل تيك المغازي، أو هذه المقاتلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولم يندمك " من الإندام. يقال: أندمه الله فندم. " ولم يخزك " من الإخزاء. يقال: خزي - بالكسر - إذا ذل وهان، وكأنه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس " غير خزايا ولا ندامى ".
(٧) وزاد الطبري في رواية ٤ / ١١٩: ويطيب القتال، فما منعني إلا ذلك، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام، وذل يذل به الكفار، ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة، وقال الحافظ في " الفتح ": قد بين مبارك بن فضالة في روايته عن زياد بن جبير ارتباط كلام النعمان بما قبله، وبسياقه يتبين أنه ليس قصة مستأنفة، وحاصله أن المغيرة أنكر على النعمان تأخيره القتال، فاعتذر النعمان بما قاله، ولفظ مبارك ملخصاً " أنهم أرسلوا إليهم: إما أن تعبروا إلينا النهر، أو نعبر إليكم، قال النعمان: اعبروا إليهم، قال: فتلاقوا وقد قرن بعضهم بعضاً، وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا يفروا، قال: فرأى المغيرة كثرتهم، فقال: لم أر كاليوم فشلاً: إن عدونا يتركون يتأهبون، أما والله لو كان الأمر إلي لقد أعجلتهم "، وفي رواية ابن أبي شيبة " فصاففناهم، فراحفونا حتى أسرعوا فينا، فقال المغيرة للنعمان: إنه قد أسرع في الناس فلو حملت؟ فقال النعمان: إنك لذو مناقب، وقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها "، وفي رواية الطبري " قد كان الله أشهدك أمثالها، والله ما منعني أن أناجزهم إلا شيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
(٨) البخاري ٦ / ١٨٨ و ١٨٩ و ١٩٠ في فرض الخمس، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك} ، والترمذي رقم (١٦١٣) في السير، باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه البخاري (٦/٢٩٨) حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الله بن جعفر الرقى حدثنا المعتمر بن سليمان. حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي حدثنا بكر بن عبد الله المزني، وزياد بن جبير، عن جبير بن حية. قال، فذكره.
وأخرجه الترمذي (١٦١٣) حدثنا الحسن بن علي الخلال، حدثنا عفان بن مسلم والحجاج بن منهال، قالا: حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبوعمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر ابن الخطاب، فذكره.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وعلقمة بن عبد الله هو أخو بكر بن عبد الله المزني مات النعمان ابن مقرن في خلافة عمر بن الخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>