لم يقفوا على الغرض من ذلك، ولا أدركوا المقصد فيه، وإنما حمل أصحاب الحديث على الكلام في الرجال، وتعديل من عدَّلوا، وجرح من جرحوا، الاحتياط في أمور الدين، وحراسة قانونه، وتمييز مواقع الغلط والخطأ في هذا الأصل الأعظم الذي عليه مبنى الإسلام وأساس الشريعة.
ولا يُظَنّ بهم أنهم أرادوا الطعن في الناس والغيبة والوقيعة فيهم، ولكنهم بيَّنوا ضعف من ضعفوه، لكي يُعرف فتُجتنب الرواية عنه والأخذ بحديثه، تورعًا وحِسبة وتثبتًا في أمر الدين، فإن الشهادة في الدين أحق وأولى أن يُتَثَبَّتَ فيها من الشهادة في الحقوق والأموال، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك وتبيين أحوال الناس، وهو من الأمور المتعينة العائدة بالنفع العظيم في أصول الدين.
قال ابن سيرين: كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتن سألوا عن الإسناد، ليأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع، فإن
القوم كانوا أصحاب حفظ وإتقان، ورُبَّ رجل وإن كان صالحًا، لا يقيم الشهادة ولا يحفظها.
وكل من كان متهمًا بالكذب في الحديث، أو كان مغفلاً يُخطئ كثيرًا، فالذي اختاره أهل العلم من الأئمة: أن لا (١) يُشتغل بالرواية عنه.
وقد تكلم جماعة من أهل الحديث في جماعة من أكابر العلماء، وضعفوهم