للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١١١٧ - (م د) عمران بن حصين - رضي الله عنه -: قال: كانت ثقيف (١) حُلفَاءَ لِبَني عُقَيْلٍ، فأسَرَتْ ثقيف رَجُلَيْنِ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسَرَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عُقَيْلٍ، وأصَابُوا معه الْعَضْباءَ، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، فقال: يا محمدُ، فأتاه، فقال: ما شاْنُك؟ فقال: بِمَ أخَذْتني وأخذتَ سابقَة الحاجِّ؟ يعني: العَضباءَ - فقال: أخَذْتُكَ بجِريرة (٢) حُلفائك ثقيف، ثم انصرف عنه، فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رقيقاً - فرجع إليه، فقال: «ما شأنُك؟» قال: إني مُسلمٌ، قال: «لو قُلْتَها وأنت تملكُ أمرَك أفلحتَ كُلَّ الفلاح» ، ثم انصرف عنه، فناداه: يا محمد، يا محمد، فأتاه فقال: «ما شأنُك؟» فقال: إني جائعٌ ⦗٦٢٨⦘ فأطعمني، وظمآنُ فأسقنِي، قال: «هذه حاجتُكَ» ، فَفُدِي بالرجلين، قال: وأُسِرَتِ امْرأةٌ من الأنصار (٣) ، وأُصيبت العضباءُ، فكانت المرأَة في الوثَاقِ، وكان القومُ يَريحونَ نَعَمَهم بين يدَيْ بُيوتِهم، فانفلتت ذَات ليلةٍ من الوَثاقِ، فأتتِ الإبلَ، فجعَلتْ إذا دَنت من البعير رَغا، فَتَتركُهُ حتى تنتهيَ إلى العَضباءِ، فلم تَرْغُ، قال: وهي ناَقةٌ مُنوَّقَةٌ - وفي رواية: ناقةٌ مُدَرَّبةٌ -.

وعند أبي داود: ناقةٌ مُجَرَّسةٌ - فقعدتُ في عَجُزها، ثم زَجَرْتُها فانطلقتْ ونَذِرُوا بها، فَطلبوها، فأعجَزتهم، قال: ونَذرتْ لله، إنْ نجَّاها الله عليها لتنْحرنَّها، فلما قَدِمَت المدينةَ رآها الناسُ، فقالوا: العَضْباءُ، ناقةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها أن تنحرها، فأتوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فقال: «سبحان الله! بِئْسَما جَزَتْهَا، نذَرَت لله إن نَجَّاها الله عليها لتَنْحرنَّها؟ لا وَفاءَ لِنَذْرٍ في معصيةٍ (٤) ، ولا فيما لا يملك العبدُ» . أخرجه مسلم وأبو داود.

وأخرج الترمذي منه طرفاً قال: إَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فدَى رجلين من ⦗٦٢٩⦘ المسلمين برجُلٍ من المشركين - يعني: الأسير المذكور. ولقلة ما أخرج منه لم نعلم عليه علامَتَه (٥) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(حلفاء) جمع حليف، وهو الذي يحالفك على شيء، أي: يعاهدك عليه.

(العضباء) اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والناقة العضباء: المشقوقة الأذن، ولم تكن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عضباء، إنما كان هذا اسماً لها.

(سابقة الحاج) أراد بسابقة الحاج: ناقته، كأنها كانت تسبق الحاج لسرعتها.

(بجريرة حُلَفائك) يعني أنه كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ثقيف موادعة، فلما نقضوها ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد، وإنما رده إلى دار الكفر بعد إظهار كلمة الإسلام، لأنه علم أنه غير صادق، وأن ذلك لرغبة أو رهبة، وهذا خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقيل: معناه أُخذت لتُدفع بك جريرة حلفائك من ثقيف، ويدل على صحة ذلك: أنه فُدي بعدُ بالرجلين اللذين أسرهما ثقيف من المسلمين. ⦗٦٣٠⦘

وقوله: «لو قُلْتَها وأنت تملك أمرك، أفلحت كل الفلاح» يريد إذا أسلمت قبل الأسر أفلحت الفلاح التام: بأن تكون مسلماً حراً، لأنه إذا أسلم بعد الأسر كان مسلماً عبداً.

(ففُدي) فدى الأسير: إذا أعطى عوضه مالاً أو غيره، وأطلق سبيله.

(رُغاء) صوت ذوات الخف، يقال: رغا البعير: إذا صاح.

(منوَّقة) ناقة منوقة مذللة مؤدبة.

(مدرَّبة) المدربة: المخرجة التي قد ألِفت الركوب والسير.

(مجرَّسة) المجربة في الركوب والسير.

(نذروا بها) أي: علموا بها.


(١) في الصحاح: " ثقيف " أبو قبيلة من هوازن، واسمه: قسي. والنسبة إليه ثقفي.
(٢) " الجريرة " بفتح الجيم: الجناية. ومنه قوله: " بجريرة قومك " أي: بجنايتهم.
(٣) وهي امرأة أبي ذر الغفاري رضي الله عنهما.
(٤) قال النووي: وفي هذا دليل على أن من نذر نذر معصية كشرب الخمر ونحو ذلك، فنذره باطل لا ينعقد، ولا تلزم كفارة يمين ولا غيرها، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأبو داود وجمهور العلماء، وقال أحمد: تجب فيه كفارة اليمين للحديث المروي عن عمران بن الحصين، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين ". واحتج الجمهور بحديث عمران بن حصين المذكور، وأما حديث " كفارته كفارة يمين " فضعيف باتفاق المحدثين. نقول: وحديث عائشة أخرجه أحمد وأصحاب السنن. وحديث عمران أخرجه النسائي، وراجع ما قاله المناوي في " فيض القدير ".
(٥) مسلم رقم (١٦٤١) في النذر، باب لا وفاء لنذر في معصية الله، وأبو داود رقم (٣٣١٦) في الأيمان والنذور، باب في النذر فيما لا يملك، والترمذي رقم (١٥٦٨) في السير، باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه الحميدي (٨٢٩) قال: حدثنا سفيان. وأحمد (٤/٤٣٠) قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن زيد. وفي (٤/٤٢٦ و ٤٣٢ و ٤٣٣) قال: حدثنا إسماعيل. وفي (٤/٤٣٢) قال: حدثنا سفيان بن عيينة. والدارمي (٢٣٣٢ و ٢٤٦٩ و ٢٥٠٨) قال: أخبرنا أبو نعيم، قال: حدثنا حماد ابن زيد. ومسلم (٥/٧٨و ٧٩) قال: حدثني زهير بن حرب، وعلي بن حجر السعدي. قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم (ح) وحدثنا أبو الربيع العتكي، قال: حدثنا حماد، يعني ابن زيد. (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وبن أبي عمر، عن عبد الوهاب الثقفي. وأبو داود (٣٣١٦) قال: حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى، قالا: حدثنا حماد. وعن محمد بن عيسى، عن إسماعيل بن علية. وابن ماجة (٢١٢٤) قال: حدثنا سهل بن أبي سهل، قال: حدثنا سفيان بن عيينة. والترمذي (١٥٦٨) قال: حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان. والنسائى (٧/١٩) قال: أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، وفي الكبرى «الورقة ١١٦ - أ» قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا سفيان.
أربعتهم - سفيان، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن إبراهيم بن علية، وعبد الوهاب - عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمه أبي المهلب، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>