للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٠٢ - (خ م ت د س) مالك بن أَوْس بن الحدثان - رضي الله عنه -: قال: أرسلَ إليَّ عُمَرُ، فَجِئْتُهُ حين تعالَى النَّهارُ، قال: فوجدتُهُ في بَيْتِه جالساً على سَرِيرٍ، مُفْضِياً إلى رِمالِهِ، مُتَّكِئاً على وِسادةٍ من أدَمٍ، فقال لي: يا مَالِ، ⦗٦٩٨⦘ إنَّهُ قَدْ دَفَّ أهلُ أبْياتٍ من قومك، وقد أمرْتُ فيهم برَضْخٍ، فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ بينهم، قال: قلتُ: لو أمرتَ بهذا غيري؟ قال: خُذْهُ يا مالِ، قال: فجاءَ يَرْفا (١) ، فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمانَ وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر: نعم، فَأذِنَ لهم فدخَلُوا، ثم جاء، فقال: هل لك في عباس وعلي؟ قال: نعم، فَأذِنَ لهما، فقال العباسُ: يا أمير المؤُمنين: اقض بيني وبين هذا، فقال القوم: أجَلْ، يا أمير المؤمنين، فاقْضِ بينهم وأرِحْهُمْ، قال مالك بنُ أوسٍ: فَخُيِّلَ إليَّ أنهم قد كانوا قَدَّمُوهُمْ لذلك، فقال عمر: اتئِدُوا، أنْشُدُكم باللهِ الذي بإِذنِه تقوُم السماء والأرضُ، أتَعْلَمُونَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ ما تركْنَا صدقة (٢) ؟» قالوا: نعم، ثم أَقْبَلَ على العبَّاسِ، وعليّ، فقال: أنْشُدُكما باللهِ الذي بإذْنِه تَقومُ السماءُ والأرض، أتَعْلَمَانِ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تركْنَا صَدقَة؟» قالا: نعم، قال عمر: إنَّ الله ⦗٦٩٩⦘ كان خَصَّ رسولَهُ صلى الله عليه وسلم بخاصَّةٍ لم يَخْصُصْ بها أحداً غيره (٣) ، فقال: {ما أَفَاءَ الله على رسولِهِ مِنْ أَهْلَ القُرَى فَلِلَّهِ وللرَّسولِ} [الحشر: ٧] .

وفي رواية وقال: {وما أفاءَ الله على رسوله منهم فما أوْجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ ولا ركاب} [الحشر: ٦] ، قال: فَقَسمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموالَ بَني النَّضِير، فواللهِ ما اسْتَأْثَرَها عليكم، ولا أخَذها دُونكم حتى بَقيَ هذا المالُ، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأْخُذُ منه نَفَقة سنَةٍ، ثم يجعلُ ما بقي أسْوَةَ المال - وفي رواية: ثم يجعلُ ما بقي مَجْعَلَ مالِ الله - ثم قال: أنشُدُكمْ بالله الذي بإذْنِهِ تَقَومُ السماء والأرض، أتَعْلَمُونَ ذلك؟ قالوا: نعم، ثم نَشدَ عَباساً وعليّاً بمثل ما نَشَدَ به القومَ: أتَعْلَمَانِ ذلك؟ قالا: نعم، قال: فلما تُوفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا وَليُّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم - زاد في رواية: فَجِئْتُمَا، تَطْلُبُ أَنت ميراثكَ من ابنِ أخِيكَ، ويطلبُ هذا ميراث امرأتهِ من أبيها؟ فقال أبو بكرٍ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا نُورَثُ، ما تركْنَا صَدقَةٌ، ثم اتَّفَقا - ثم تُوفِّيَ أَبو بكرٍ، وأنا وَليُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَوَليُّ أبي بكْرٍ، فَوَلِيتُها، ثم جئتَني أنت وهذا، وأنْتما جميعٌ، وأمرُكما واحدٌ، فَقُلتُمْ: ادْفَعْها إلينا، فقلتُ: إنْ شِئتُمْ دَفعْتُها إليكم، على أنَّ ⦗٧٠٠⦘ عليكما عهدَ الله وأَنْ تَعْمَلا فيها بالذي كانَ يعملُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَأَخذْتُماها بذلك، أكَذَلكَ؟ قالا: نعم، قال: ثم جئتُماني لأقضيَ بينكما، ولا والله، لا أَقْضِي بينكما بغير ذلك، حتى تقومَ الساعةُ، فإنْ عَجَزْتُما عنها فَرُدَّاها إليَّ.

وفي رواية: وأنَّ عمر قال: كانت أموالُ بني النضيرِ مِمَّا أفاءَ الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يُوجِفْ عليه المسلمون بخيلٍ، ولا ركابٍ، فكانت للنبيِّ خاصة، فكان يُنفِقُ على أهله نَفقَةَ سَنةٍ.

وفي رواية: ويَحْبِسُ لأهلِه قُوتَ سَنَتِهمْ، وما بقيَ جَعَلهُ في الكُراعِ والسلاح، عُدَّة في سبيل الله.

هذه رواية البخاري ومسلم بموجب ما أخرجه الحميدي.

وقال الحميدي: وقد تركنا من قول عمر - في مُعاتبتِهما ومن قولهما ألفاظاً ليستْ من المُسْنَد.

والذي وجدتُه في كتاب البخاري من تلك الألفاظ - زيادة على ما أخرجه الحميدي بعد قوله: اْقضِ بَيْني وبين هذا الظالم - اسْتَبَّا، قال: وهما يختصمانِ فيما أفَاءَ الله على رسوله من بني النضير. فقال الرَّهطُ - عُثمانُ وأصحابه -: يا أمير المؤمنين، اقْض بينهما، وأرحْ أحدهما من الآخر.

- وبعد قوله: فقال أبو بكرٍ: أنا وَلِيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها فعمل فيها ⦗٧٠١⦘ بما عمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأنتما حينئذ - وأقْبلَ على عَلِيٍّ وعباس - تَزْعُمَانِ: أن أبا بكر فيها كذا، واللهُ يَعْلَمُ إنَّه فيها صادقٌ، بارٌّ رَاشِدٌ، تابعٌ للحقِّ، وكذلك زاد في حق نفسه، قال: والله يعلم إنِّي فيها صادق، بارٌّ راشد، تابع للحق.

وزادَ في آخر الحديث: فإنْ عَجَزْتُمَا عنها، فادْفَعَاهَا إليَّ، فأنا أكْفِيكُماهَا.

وفي كتاب مسلم: فقال عَبَّاسٌ: يا أميرَ المؤمنين: اقْضِ بيْني وبين هذَا الكاذِبِ الْغَادِرِ الخَائِن (٤) . ⦗٧٠٢⦘

وفيه قال أبو بكرٍ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا نُورَثُ، ما تركْنَا ⦗٧٠٣⦘ صَدقَة» فَرَأَيْتُماهُ كاذِباً آثماً، غادراً خائناً، واللهُ يعلم إنَّهُ لصادقٌ، بارٌّ راِشدٌ، تابِعٌ للحَقِّ، ثم تُوُفِّي أبو بكر، فقلتُ: أنا وليُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ووليُّ أبي بكرٍ، فرأيْتُماني كاذِباً آثماً، غادِراً خائناً، واللهُ يعلمُ إنِّي لصادقٌ، بَارٌّ راِشدٌ، تابعٌ للحق، فَوَلِيتُها.

وأخرجه الترمذي مختصراً، وهذا لفظه: قال مالكُ بن أوس: دخلتُ على عمرَ بن الخطاب، ودخل عليه عثمانُ بنُ عفَّان، والزبيرُ بنُ العوام، وعبدُ الرّحمن بنُ عوفٍ، وسعدُ بن أبي وقَّاصٍ، ثم جاء عليٌّ والعبَّاسُ ⦗٧٠٤⦘ يختصمان، فقال عمر لهم: أنْشُدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتَعْلمونَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تركْنَا صَدقَةٌُ؟» قالوا: نعم، قال عمر: فلمَّا تُوفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكرٍ: أنا وليُّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فجئتَ أنتَ وهذا إلى أبي بكرٍ، تطلبُ أنتَ ميراثكَ من ابن أخيك، ويطلبُ هذا ميراثَ امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تركْنَا صَدقَة» والله يعلمُ إنه صادقٌ، بارٌّ راشدٌ، تابع للحقِّ.

قال الترمذي: وفي الحديث قِصة طويلة، ولم يذكرها.

وأخرجه أبو داود بطوله، وزاد فيه: «والله يعلم إنه صادق، بارٌّ راشدٌ، تابعٌ للحق» .

ثم قال أبو داود: إنما سألا: أن يُصَيِّرَه نصفين بينهما؟ لا أنهما جهلا عن ذلك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تركْنَا صَدقَة» فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عُمرُ: لا أوقِعُ عليه اسم القَسْمِ، أدَعُهُ على ما هو.

وفي رواية أخرى له بهذه القصة: قال: «وهما - يعني عليّاً والعباس - يخْتصمان فيما أفاءَ اللهُ على رسَوُلهِ من أموالِ بني النضير» .

وأخرجه النسائي بنحوٍ من هذه الرواية، وهذه أتمُّ لفظاً.

وزاد: ثم قال: {واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ من شيءٍ فأَنَّ للَّه خُمُسَهُ ⦗٧٠٥⦘ وللرَّسُولِ ولذي القُربى واليتامى والمساكين} [الأَنْفَال: ٤١] هذه لهؤلاء {إنَّما الصدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليها والمؤلَّفَةِ قلوبهم وفي الرِّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} [التوبة: ٦٠] هذه لهؤلاء {وما أَفَاءَ الله على رسوله منهم فَمَا أَوْجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ ولا ركابٍ} [الحشر: ٦] قال: قال الزهري: هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّة، قُرى عُرَيْنَة (٥) .

قال: كذا وكذا {ما أفَاءَ اللَّه على رسولِهِ مِنْ أَهْل القُرَى فَلِلَّهِ وللرَّسُولِ ولذي الْقُرْبى واليتامَى والمساكين} [الحشر: ٧] و {لِلْفُقَراءِ المهاجرينَ الذين أُخرِجُوا من ديارهم وأَموالهم} [الحشر: ٨] ، {والذين تَبوّءُوا الدَّارَ والإيمان من قبلهم} [الحشر: ٩] ، {والذين جاءُوا من بعدهم} [الحشر: ١٠] ، فاسْتَوَعبَتْ هذه الآيةُ النّاسَ، فلم يبق رَجُلٌ من المسلمين إلا وله في هذا المالِ حقٌٌّ- أو قال: حظٌٌّ- إلا بَعضَ مَنْ تَمْلِكُونَ من أَرِقَّائِكمْ، ولَئنْ عِشتُ - إن شاء اللهُ - لَيأْتِيَنَّ على كلِّ مُسلمٍ حقُّهُ - أو قال: حظُّهُ.

وأخرج أبو داود عن الزهري قال: قال عمر: {فما أوْجَفْتُمْ عليه من خَيْلٍ ولا ركابٍ} .

وذكر مثل ما قد ذكره النسائي في حديثه ... إلى آخره (٦) . ⦗٧٠٦⦘

وفي رواية أخرى لأبي داود (٧) . قال أبو البُختري: سمعتُ حديثاً من رجلٍ، فأعجبني. فقلت: اكتُبْه لي، فَأتَى به مكتوباً مُذَبَّراً (٨) : دَخلَ العباسُ وعليٌّ على عمرَ، وعنده طلْحَةُ، والزبيرُ، وعبدُ الرحمن، وسعدٌ، وهما يختصمان، فقالَ عمرُ لطلحةَ، والزبير، وعبد الرحمن، وسعدٍ: ألم تعلموا: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ مالِ النبيِّ صَدقَةٌ، إلا ما أطعمهُ أهلَه، أو كَسَاهُم، إنا لا نُورَث؟» قالوا: بَلى، قال: فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ من ماله على أهله، ويتصدَّقُ بِفَضْلِهِ، ثمَّ توفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فولِيها أبو بكرٍ سَنَتَيْن، وكان يَصَنعُ الذي كان يصنعُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ... ثم ذكر شيئاً من حديثِ مالك بن أوس.

وفي رواية أخرى عن مالك بن أوس قال: كان فيما احْتَجَّ به عمر أنْ قال: كانتْ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثُ صَفَايا: بَنُو النَّضير وخَيْبَر وفدكُ، فأمَّا بَنُو النَّضير: فكانت حَبْساً لِنَوائبِه، وأما فدكُ: فكانَتْ حَبْساً لأبناءِ السبيل، وأما خيبر فجزَّأها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَة أجزاءٍ: جُزْئينِ بين المسلمين، وجزءاً نفقة لأهله، فما فَضَلَ عن نَفَقَةِ أَهْلِه، جعله بين فُقراءِ المهاجرين.

قال الزهري: وكانت بنُو النَّضير لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لم يَفْتَحُوهَا عَنْوة افتتحُوهَا على صُلحٍ، فَقَسَمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يُعْطِ ⦗٧٠٧⦘ الأنصارَ منها شيئاً، إلا رُجلَيْن كانت بهما حَاجَةٌ.

وفي رواية مختصرة للترمذي، وأبي داود، والنسائي، عن مالك بن أوس قال: سمعتُ عمرَ بن الخطاب يقولُ: كانت أموالُ بَني النضير، مِمَّا أفَاء الله على رسولِهِ، مِمَّا لم يُوجِفْ عليه المسلمونَ بخَيْلٍ ولا ركابٍ، وكانت لرسوِلِ الله صلى الله عليه وسلم خالِصاً، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعْزِلُ نَفَقَةَ أهلِهِ سنة، ثم يجعلُ ما بقَي في الكُراع والسِّلاحِ: عُدَّة في سبيلِ الله (٩) .

قال الحميديُّ في كتابه: زادَ البَرْقاني في روايته: قال: فَغَلَبَ على هذه الصدقِة عليٌّ - رضي الله عنه -، فكانت بيدِ عليٍّ، ثم كانت بيد حسنِ بن عَلِيّ، ثم كانت بيد حُسينٍ، ثم كانت بيد علي بن حسْينٍ، ثم كان بيد الحسنِ بن الحسن، ثم كانت بيدِ زيد بن الحسن، ثم كانت بيد عبد الله بن الحسن، ثمَّ ولَيها بنُو العبَّاسِ ⦗٧٠٨⦘.

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(إلى رمال) رمال السرير: هي الخيوط التي تُضْفَر على وجهه مشبكة.

(مفضياً) أفضى إليه: أي ألقى نفسه عليها، لا حاجز بينهما.

(وسادة) الوسادة: المِخَدّة.

(يا مال) : ترخيم مالك.

(دَفَّت) يقال: دفَّت دافَّة من الأعراب بدال مهملة: إذا جاؤوا إلى المصر.

(بِرَضْخ) الرضخ: العطاء ليس بالكثير.

(اتَّئِد) : أمر بالتأني والتثبت في الأمر.

(أنشدكم) : أسألكم وأقسم عليكم.

(بإذنه) : أي بأمره وعلمه.

(أفاء) أي: جعله فيئاً، وهو ما أعطاه الله من أموال الكفار من غير قتال.

(استأثرها) الاستئثار: الاستبداد بالشيء والانفراد به.

قال الخطابي: قول عمر لعلي وعباس: فجئت أنت وهذا، وأمرُكما واحد، وأنتما جميع، يُبَيِّن أنهما إنما اختصما إليه في أسباب الولاية والحفظ، وأن يُوَلِّي كلاًّ منهما نصفاً، ولم يسألاه: أن يقسمها بينهما ميراثاً ومِلْكاً، بعد أن كانا سلماها أيام أبي بكر، وكيف يجوز ذلك وعمر يناشدهما الله: هل ⦗٧٠٩⦘ تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» يعترفان به، والحاضرون يشهدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك؟ فأراد عمر أن لا يوقع عليها اسم القسمة، احتياطاً للصدقة، لئلا يجيء مَن بعد علي وعباس، وهي مقسومة، فيدَّعيها مِلكاً وميراثاً.

(أرِقَّائِكم) الأرقاء: جمع رقيق، وهم العبيد والإماء.

(حَبْساً) الحبس: الوقف.

(لنوائبه) النوائب: قد تقدم ذكرها.


(١) في رواية البخاري " فجاء حاجبه يرفا " وهو بفتح المثناة من تحت وإسكان الراء، وفاء غير مهموز. هكذا ذكره الجمهور، ومنهم من همزه. وفي " سنن البيهقي " في باب الفيء: تسميته: اليرفا، بالألف واللام: هو حاجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يرد ذكره إلا في هذه القصة في الكتب الستة.
(٢) ولمسلم من حديث عائشة رفعته " لا نورث ما تركنا فهو صدقة ".
قال النووي: قال العلماء: والحكمة في أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يورثون: أنه لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك، ولئلا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوارثهم، فيهلك الظان، وينفر الناس عنهم. اهـ.
(٣) ذكر القاضي في معنى هذا احتمالين أحدهما: تحليل الغنيمة له ولأمته. والثاني: تخصيصه بالفيء إما كله أو بعضه، كما سبق من اختلاف العلماء.
قال: وهذا الثاني أظهر، لاستشهاد عمر على هذا بالآية.
(٤) قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعباس، وحاشا لعلي رضي الله عنه أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف، فضلاً عن كلها، ولسنا نقطع بالعصمة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم أو لمن شهد له بها، لكنا مأمورون بحسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم، ونفي كل رذيلة عنهم، وإذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها. وإذا كان هذا اللفظ لا بد من إثباته، ولم نضف الوهم إلى رواته، فأجود ما حمل عليه: أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه، لأنه بمنزلة ابنه، وقال مالا يعتقده، وما يعلم براءة ابن أخيه منه. ولعله قصد بذلك ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن قصد، وأن علياً رضي الله عنه كان لا يراها إلا موجبة لذلك في اعتقاده.
قال المازري: وكذلك قول عمر " إنكما جئتما أبا بكر فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً "، وكذلك ذكر عن نفسه أنهما رأياه كذلك. وتأويل هذا على نحو ما سبق، وهو أن المراد: أنكما تعتقدان أن الواجب أن نفعل في هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر، فنحن على مقتضى رأيكما، لو أتينا ما أتينا ونحن معتقدان ما تعتقدانه لكنا بهذه الأوصاف، أو يكون معناه: أن الإمام إنما يخالف إذا كان على هذه الأوصاف، ويتهم في قضاياه، فكأن مخالفتكما لنا تشعر من رآها أنكم تعتقدان ذلك فينا. والله أعلم.
قال المازري: وأما الاعتذار عن علي والعباس رضي الله عنهما في أنهما ترددا إلى الخليفتين، مع قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نورث، ما تركنا فهو صدقة "، وتقرير عمر رضي الله عنه أنهما يعلمان ذلك، فأمثل ما فيه ما قاله بعض العلماء: أنهما طلبا أن يقسماها بينهما نصفين ينتفعان بها على حسب ⦗٧٠٢⦘ ما ينفعهما الإمام بها لو وليها بنفسه، فكره عمر أن يوقع عليها اسم القسمة لئلا يظن مع تطاول الأزمان أنها ميراث وأنهما ورثاها، لا سيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان، فيلتبس ذلك، ويظن أنهم تملكوا ذلك.
ومما يؤيد ما قلناه: ما قاله أبو داود: " أنه لما صارت الخلافة إلى علي رضي الله عنه لم يغيرها عن كونها صدقة " وبنحو هذا احتج السفاح، فإنه لما خطب أول خطبة قام بها في الناس، قام إليه رجل قد علق في عنقه المصحف فقال: " أنشدك الله إلا ما حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف " فقال: من هو خصمك؟ قال: أبو بكر، في منعه فدك. قال: أظلمك؟ قال: نعم. قال: فمن بعده؟ قال: عمر. قال: أظلمك؟ قال: نعم. وقال في عثمان كذلك. قال: فعلي ظلمك؟ فسكت الرجل فأغلظ له السفاح ". قال القاضي عياض: وقد تأول قوم طلب فاطمة رضي الله عنها ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث - إن كان بلغها - قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نورث " على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث ... لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح. وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي " فليس معناه: إرثهن منه، بل لكونهن محبوسات عن الأزواج لسببه، أو لعظم حقهن في بيت المال لفضلهن، وقدم هجرتهن، وكونهن أمهات المؤمنين. وكذلك اختصصن بمساكنهم لم يرثها ورثتهن.
قال القاضي: وفي ترك فاطمة رضي الله عنها منازعة أبي بكر رضي الله عنه بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على القضية، وأنها لما بلغها الحديث، وبين لها التأويل تركت رأيها، ثم لم يكن منها ولا من ذريتها بعد ذلك طلب الميراث. ثم لما ولي علي الخلافة لم يعدل بها عما فعله أبو بكر وعمر فدل على أن طلب علي والعباس رضي الله عنهما إنما كان طلب تولي القيام بها بأنفسهما، وقسمتها بينهما كما سبق. قال: وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر رضي الله عنهما فمعناه: انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء. وقوله في الحديث: " فلم تكلمه " يعني: في هذا الأمر. أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى لقائه وتكليمه، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته. ⦗٧٠٣⦘ قال: وأما قول عمر: " جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة، جئت يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك؟ وجاءني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها؟ " ففيه إشكال، مع إعلام أبي بكر لهم قبل هذا الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ".
وجوابه: أن كل واحد إنما طلب القيام وحده على ذلك، ويحتج هذا بقربه بالعمومة، وهذا بقرب امرأته بالبنوة وليس المراد: أنهما طلبا ما علما منع النبي صلى الله عليه وسلم لهما منه، ومنعهما منه أبو بكر رضي الله عنه، وبين لهما دليل المنع، واعترفا له بذلك.
قال العلماء: وفي هذا الحديث: أنه ينبغي أن يولي أمر كل قبيلة سيدهم، وتفوض إليه مصلحتهم، لأنه أعرف بهم وأرفق بحالهم، وأبعد من أن يأنفوا من الانقياد له. ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} [النساء: ٣٥] ، وفيه جواز نداء الرجل باسمه من غير كنية، وفيه جواز احتجاب المتولي في وقت الحاجة لطعامه أو وضوئه أو نحو ذلك. وفيه: جواز قبول خبر الواحد، وفيه استشهاد الإمام على ما يقوله بحضرة الخصمين العدول، لتقوى حجته في إقامة الحق وقمع الخصم، والله أعلم. وانظر " مختصر المنذري " (الأحاديث رقم ٢٨٤٣ - ٢٨٤٧) .
(٥) زاد أبو داود: " فدك " بعد قوله: عرينة.
(٦) رقم (٢٩٧١) ، وفيه انقطاع، فإن الزهري لم يسمع من عمر.
(٧) رقم (٢٩٧٥) ، وفي إسنادها رجل مجهول غير أن له شواهد صحيحة.
(٨) أي: منقوطاً، سهل القراءة.
(٩) أخرجه البخاري ١٢ / ٤، ٥ في الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة "، وفي الجهاد، باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه وفرض الخمس، وفي المغازي، باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين، وفي تفسير سورة الحشر، باب قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله} ، وفي النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، وفي الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع، ومسلم رقم (١٧٥٧) في الجهاد، باب حكم الفيء، والترمذي رقم (١٦١٠) في السير، باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو داود رقم (٢٩٦٣) ، وإسناده صحيح، و (٢٩٦٤) ، وإسناده صحيح، و (٢٩٦٥) ، وإسناده صحيح، و (٢٩٦٧) ، وإسناده صحيح، وفي الخراج والإمارة، باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال، والنسائي ٧ / ١٣٦، ١٣٧ في قسم الفيء، وإسناده صحيح.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه أحمد (١/٢٥) (١٧٢) و (١/٤٨) (٣٣٦) و (١/١٦٢) (١٣٩١) و (١/١٦٤) (١٤٠٦) و (١/١٧٩) (١٥٥٠) و (١/١٩١) (١٦٥٨) قال: حدثنا سفيان، عن عمرو. وفي (١/٤٧) (٣٣٣) و (١/٦٠) (٤٢٥) قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: حدثنا معمر. وفي (١/٢٠٨) (١٧٨١) قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أنبأنا شعيب. وفي (١/٢٠٨) (١٧٨٢) قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب. والبخاري (٤/٩٦) قال: حدثنا إسحاق بن محمد الفروي، قال: حدثنا مالك بن أنس. وفي (٥/١١٣) قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، وفي (٧/٨١) قال: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل. وفي (٨/١٨٥) قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن عقيل. وفي (٩/١٢١) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا الليث، قال: حدثني عقيل. ومسلم (٥/١٥١) قال: حدثني عبد الله بن محمد بن إسماء الضبعي، قال: حدثنا جويرية، عن مالك، وفي (٥/١٥٣) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد، قال ابن رافع: حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر. وأبو داود (٢٩٦٣) قال: حدثنا الحسن ابن علي ومحمد بن يحيى بن فارس. قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني، قال: حدثني مالك بن أنس. وفي (٢٩٦٤) قال: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر. والترمذي (١٦١٠) قال: حدثنا الحسن بن علي الخلال، قال: أخبرنا بشر بن عمر، قال: حدثا مالك بن أنس. والنسائي في الكبرى «الورقة ٨٢ ب» قال: أخبرني هلال بن العلاء بن هلال الرقي، قال: حدثنا محمد بن حاتم وهو الجرجرائي، قال: حدثنا ابن المبارك، عن معمر ويونس. (ح) وأخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا ابن عيينة، عن معمر وعمرو بن دينار. (ح) وأخبرنا محمد بن منصور المكي، عن سفيان، عن عمرو بن دينار (ح) وأخبرنا عمرو بن علي أبو حفص، قال: حدثني بشر بن عمر بن الحكم، وهو الزهراني، قال: حدثنا مالك. وفي الكبرى «تحفة الأشراف» (٨/١٠٦٣٣) عن محمد بن عبد الأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر.
سبعتهم - عمرو بن دينار، ومعمر، وشعيب، وابن أخي ابن شهاب، ومالك، وعقيل، ويونس - عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، فذكره.
* في رواية عقيل عن الزهري، قال: أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان. «قال الزهري» : وكان محمد ابن جبير بن مطعم ذكر في حديثه: فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته.
* الروايات مطولة ومختصرة.
* أخرجه أحمد (١/٤٩) (٣٤٩) . والنسائي (٧/١٣٥) قال: أخبرنا علي بن حجر.
كلاها (أحمد، وعلي) عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس ابن الحدثان. قال: جاء العباس وعلي إلى عمر يختصمان. فقال العباس: اقض بيني وبين هذا. فقال الناس: افصل بينهما. فقال عمر: لا أفصل بينهما. قد علما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث. ما تركنا صدقة» .
* أخرجه أبو داود (٢٩٧٥) قال: حدثنا عمرو بن مرزوق. قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري. قال: سمعت حديثا من رجل فأعجبني. فقلت: اكتبه لي فأتى به مكتوبا مُذَبَّرا: «دخل العباس وعلي على عمر، وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمن، وسعد، وهما يختصمان. فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مال النبي صلى الله عليه وسلم صدقة إلا ما أطعمه أهله وكساهم، إنا لا نورث» ؟ قالوا: بلى. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق من ماله على أهله ويتصدق بفضله. ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر سنتين، فكان يصنع الذي كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.....» ثم ذكر شيئا من حديث مالك بن أوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>