للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجلوس على وقار وهيبة، ثم حدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: أُحب أن أُعظِّم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومر يومًا على أبي حازم وهو جالس، فجازه، فقيل له، فقال: إني لم أجد موضعًا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائم.

قال يحيى بن سعيد القطان: ما في القوم أصح حديثًا من مالك.

وقال الشافعي [رحمه الله] : إذا ذكر العلماء، فمالكٌ النجم، وما أحد أمَنَّ عليّ مِن مالك [رحمة الله عليه] .

ورُوي أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره، ثم دس عليه من يسأله، فروى على ملأ من الناس «ليس على مستكره طلاق» فضربه بالسياط، ولم يترك رواية الحديث.

وروي أن الرشيد سأل مالكًا فقال: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشتر بها دارًا، فأخذها ولم ينفقها. فلما أراد الرشيد الشخوص، قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على «الموطأ» كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال: أمَّا حمل الناس على «الموطأ» فليس إلى ذلك سبيل، لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا بعده في الأمصار فحدثوا، فعند أهل كل مصر علم، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اختلاف أمتي رحمة» (١) وأما الخروج معك فلا سبيل إليه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المدينة


(١) قال السبكي كما نقله عنه المناوي في " فيض القدير " وليس هذا الحديث بمعروف عند المحدثين، ولم ⦗١٨٣⦘ أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع. وأسنده في " المدخل " وكذا الديلمي في " مسند الفردوس " كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ " اختلاف أصحابي رحمة "، قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف. وقال ولده أبو زرعة: رواه أيضاً آدم بن إياس في كتاب العلم والحلم بلفظ " اختلاف أصحابي لأمتي رحمة "، وهو مرسل ضعيف. وفي " طبقات ابن سعد " عن القاسم بن محمد نحوه. وأخرج البيهقي في " المدخل " عن القاسم بن محمد أو عمر بن عبد العزيز: لا يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.
وقال شيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي في " لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد ": وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين. كالطوائف الأربعة فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم، مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة.
نقول: ولا شك أن اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة طبيعية في شريعة الإسلام، لأن أكثر نصوصه ظنية الدلالة، وهذا الاختلاف ما أراده الله تعالى ورضيه، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والإبداع، ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي تحفل به المكاتب الإسلامية من المؤلفات المتنوعة، وقد كان اختلافهم في القرآن في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه لخفاء في دلالته بسبب من الأسباب، كالاشتراك في لفظه، أو التخصيص في عامه، أو التقييد في مطلقه، أو ورود نسخ عليه، أو غير ذلك من الأسباب المبينة في مظانها واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث وما يراد منها كما هو الحال في آي القرآن، بل يتجاوز ذلك، فيختلفون في الحكم على الحديث صحة وضعفاً، فيرى بعضهم صحيحاً ما يراه الآخر ضعيفاً. إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم.
وأما الاستشهاد ببعض الآيات التي تذم الخلاف وتنهى عنه وتحذر منه على حرمة الخلاف في فهم النصوص، فهو استشهاد في غير محله.

<<  <  ج: ص:  >  >>