وقال شيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي في " لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد ": وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين. كالطوائف الأربعة فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم، مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة. نقول: ولا شك أن اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة طبيعية في شريعة الإسلام، لأن أكثر نصوصه ظنية الدلالة، وهذا الاختلاف ما أراده الله تعالى ورضيه، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والإبداع، ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي تحفل به المكاتب الإسلامية من المؤلفات المتنوعة، وقد كان اختلافهم في القرآن في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه لخفاء في دلالته بسبب من الأسباب، كالاشتراك في لفظه، أو التخصيص في عامه، أو التقييد في مطلقه، أو ورود نسخ عليه، أو غير ذلك من الأسباب المبينة في مظانها واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث وما يراد منها كما هو الحال في آي القرآن، بل يتجاوز ذلك، فيختلفون في الحكم على الحديث صحة وضعفاً، فيرى بعضهم صحيحاً ما يراه الآخر ضعيفاً. إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم. وأما الاستشهاد ببعض الآيات التي تذم الخلاف وتنهى عنه وتحذر منه على حرمة الخلاف في فهم النصوص، فهو استشهاد في غير محله.