للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٣٤ - (م د) بريدة - رضي الله عنه - قال: «إنَّ مَاعِزَ بنَ مالك الأسلميَّ أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني قد ظَلَمْتُ نفسي وزنيتُ وإني أُريدُ أنْ تُطهَّرني، فردَّهُ، فَلما كانَ من الغَدِ أتَاهُ، فقال: يا رسول الله إني قد زَنَيْتُ، فرَدَّهُ الثَّانيةَ، فأرسلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قومِه، فقال: تَعلمونَ بعقله بأساً؟ تُنكِرون منه شيئاً؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وَفيَّ العقل من ⦗٥١٨⦘ صالِحينا فيما نُرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً، فسألَ عنه؟ فأخبروه أنه لا بأسَ به، ولا بعقله، فلما كان الرابعةَ حَفَرَ لهُ حفرَة، ثم أَمَرَ به فَرُجِمَ، قال: فجاءت الغامِديَّةُ فقالت: يارسولَ الله، إني قد زَنيتُ فَطَهِّرني، وإنه رَدَّها، فلما كان من الغد قالت: يا رسول الله، لِمَ تَرُدُّني؟ لَعَلَّكَ أنْ تَرُدَّني كما ردَدْتَ ماعزاً، فوالله إني لَحُبلى، قال: إمَّا لا، فَاذهبي حَتى تلدي، فلما ولَدتْ أَتتهُ بالصبي في خِرَقَةٍ، قالت: هذا قد وَلَدْتُهُ، قال: فاذهبي فأرِضعيهِ حتى تفطميهِ، فلما فَطَمْتُهُ، أتتهُ بالصبيِّ في يده كِسرَةُ خُبْزٍ، فقالت: هذا يا نبيَّ الله قد فَطَمْتُهُ، وقد أكَلَ الطَّعامَ، فَدفَعَ الصبيَّ إلى رجل من المسلمين، ثم أمَرَ بها فَحُفِرَ لها إلى صدرها، وأمَرَ النَّاسَ فَرَجُموها، فَيُقْبلُ خالدُ بن الوليد بحَجرٍ فَرمى رأسها، فَتنَضَّح (١) الدَّمُ على وجه خالدٍ، فَسبَّها، فَسَمع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- سَبَّهُ إياها، فقال: مَهْلاً يا خالدُ، فَوالذي نَفْسي بيَدِهِ لقد تابتْ توبةً لو تَابها صاحِبُ مكْسٍ لَغُفِرَ لَه (٢) ، ثم أمَرَ ⦗٥١٩⦘ بها فَصُلَّى عليها (٣) ودُفِنَتْ» .

وفي رواية قال: «جاء مَاعِزٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ الله طَهِّرْني، قال: وَيْحَكَ، ارجِع، فاسْتَغْفِر الله وتُبْ إليه، فَرَجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثم جاء، فقال: يا رسولَ الله، طَهِّرني، قال: ويحك، [ارجع فـ] استغفر الله، وتُب إليه، فرجع غير بعيدٍ، ثم جاء، فقال: يا رسولَ الله طَهِّرني، فأعَادَ القولَ، وأعادَ هو، حتى إذا كانت الرابعةُ قال له رسولُ الله ⦗٥٢٠⦘ صلى الله عليه وسلم-: مِمَّ أُطَهِّرُكَ؟ قال: مِنَ الزِّنا، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أَبهِ جُنونٌ؟ فَأُخْبِرَ أنه ليس بمجنون، فقال: أَشَرِبَ خَمْراً؟ فقام رجلٌ فاستَنكهَهُ (٤) ، فلم يَجِد مِنه ريحَ خمرٍ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أزَنَيتَ؟ قال: نعم، فَأمَرَ به فَرُجِمَ، فكان النَّاسُ [فيه] فِرْقَتَينِ، فَقَائِلٌ يقول: قد هَلَكَ، لقد أحَاطَت به خَطيئَتُهُ.

وقائِلٌ يقولُ: ما توبةٌ أفْضَلَ من توبةِ مَاعِزٍ، إنه جاء إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فَوَضَع يَدَهُ في يَدِهِ، ثم قال: اقْتُلْني بالحجارةِ، قال: فَلَبثُوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وهم جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ، ثم جَلَسَ فقال: اسْتَغفِروا لمَاعِزِ بن مالكٍ، فقالوا: غَفَرَ الله لَمِاعِزِ ابنِ مالكٍ [قال] : فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: لقدْ تَابَ توبَة لوْ قُسِمَتْ بينَ أُمَّةٍ لَوَسِعتْهُمْ، قال: ثم جَاءتْهُ امرأَةٌ مِنْ غَامِدٍ (٥) من الأزدِ، فقالت: يا رسولَ الله طَهِّرْني، فقال: ويحَكِ، ارْجعي فاستَغفري الله وتُوبي إليه، قالت: أراك تُريدُ أنْ تُردَّني كما رَدْدتَ ماعزَ بنَ مالكٍ، قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حُبلى مِن الزنا، قال: أنتِ؟ قالت: نعم، فقال لها: حتى تَضعي ما في ⦗٥٢١⦘ بطْنِكِ، قال: فَكفَلَها (٦) رجلٌ من الأنصارِ حتى وَضَعَتْ، قال فَأتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: قد وَضعَتْ الغامِديَّةُ، فقال: إذاً لا نَرْجُمها ونَدَعُ وَلَدَها صَغِير السِّنِّ ليسَ له من يُرِضعُهُ، فقام رجلٌ من الأنصار فقال: إلَيَّ رضَاعُه يا نَبيَّ الله، فَرجَمَها» . هذه رواية مسلم.

وأخرج أبو داود منه قصةَ الغامديَّة بنحو الرواية.

وله في أخرى: «أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- استنكَهَ مَاعِزاً» .

وله في أخرى قال: «كُنا أصحابَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- نَتَحدَّثُ: أنَّ الغامِديَّةَ وماعِزَ ابنَ مالكٍ لو رجَعَا بعد اعترافهما - أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما - لم يطْلُبْهُما، وإنما رجمهما عندَ الرابعة» (٧) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(إمَّا لا) : يقال: افعل ذاك إمَّا لا، يعني: إن لم تفعل هذا فافعل هذا، وقد تقدم شرح ذلك مستقصى في كتاب الحج.


(١) قال النووي في " شرح مسلم ": " فتنضح " روي بالحاء المهملة وبالمعجمة، والأكثرون على المهملة، ومعناه: فترشش وانصب.
(٢) قال النووي في " شرح مسلم ": فيه: أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب والموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلماتهم عنده، وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها.
(٣) قال النووي في " شرح مسلم ": وفي الرواية الثانية: " أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ "، أما الرواية الثانية، فصريحة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها، وأما الأولى، فقال القاضي: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة مسلم، قال: وعند الطبري: بضم الصاد، قال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود، قال: وفي رواية لأبي داود: " ثم أمرهم أن يصلوا عليها ". قال القاضي: ولم يذكر مسلم صلاته صلى الله عليه وسلم على ماعز، وقد ذكرها البخاري، وقد اختلف العلماء في الصلاة على المرجوم، فكرهها أحمد ومالك للإمام ولأهل الفضل دون باقي الناس، قال: ويصلي عليه غير الإمام وأهل الفضل، وقال الشافعي وآخرون: يصلي عليه الإمام وأهل الفضل وغيرهم، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي، وبه قال جماهير العلماء، قال: فيصلى على الفساق والمقتولين في الحدود والمحاربة وغيرهم، وقال الهروي: لا يصلي أحد على المرجوم وقاتل نفسه، وقال قتادة: لا يصلى على ولد الزنا، واحتج الجمهور بهذا الحديث. وفيه دلالة للشافعي على أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم، وأجاب أصحاب مالك عنه بجوابين: أحدهما: أنهم ضعفوا رواية الصلاة، لكون أكثر الرواة لم يذكروها.
والثاني: تأولوها على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة، أو دعا فسمى الدعاء صلاة على مقتضى لفظة الدعاء في اللغة. وهذان الجوابان فاسدان؛ أما الأول، فإن هذه الزيادة ثابتة في الصحيح، وزيادة الثقة مقبولة، وأما الثاني فهذا التأويل مردود؛ لأن التأويل إنما يصار إليه إذا اضطرت الأدلة الشرعية إلى ارتكابه، وليس هنا شيء من ذلك، فوجب حمله على ظاهره. والله أعلم.
(٤) أي: شم رائحة فمه، واحتج مالك وجمهور الحجازيين: أنه يحد من وجد منه ريح الخمر وإن لم تقم عليه بينة بشربها، ولا أقر به.
(٥) بغين معجمة ودال مهملة: بطن من جهينة.
(٦) أي: قام بمؤنتها ومصالحها، وليس هو من الكفالة التي هي بمعنى الضمان؛ لأن هذه لا تجوز في الحدود التي لله تعالى.
(٧) أخرجه مسلم رقم (١٦٩٥) في الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، وأبو داود رقم (٤٤٣٣) و (٤٤٣٤) و (٤٤٤١) في الحدود، باب رجم ماعز بن مالك، وباب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: رواه عن بريدة ابنه عبد الله:
١-أخرجه أحمد ٥/٣٤٧، ٣٤٨. والدارمي٢٣٢٥، ٢٣٢٩والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) ١٩٤٧ عن أحمد بن يحيى. ثلاثتهم (أحمد بن حنبل، والدارمي، وأحمد بن يحيى) عن أبي نعيم.
٢-وأخرجه مسلم ٥/١٢٠ قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الله بن نمير (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا أبي.
٣- وأخرجه أبو داود ٤٤٤٢ قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال: أخبرنا عيسى بن يونس (بقصة الغامدية) .
٤- وأخرجه النسائي في الكبرى (تحفة الأشراف) ١٩٤٧ عن واصل بن عبد الأعلى، عن محمد بن فضيل.
أربعتهم - أبو نعيم، وعبد الله بن نمير، وعيسى بن يونس، ومحمد بن فضيل - عن بشير بن المهاجر قال حدثنا عبد الله بن بريدة، فذكره.
-ورواه عن بريدة ابنه سليمان: أخرجه مسلم ٥/١١٨ قال: حدثنا محمد بن العلاء الهمداني. و «أبو داود» ٤٤٣٣ قال: حدثنا محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة. و «النسائي» في الكبرى (تحفة الأشراف) ١٩٣٤ عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني.
ثلاثتهم- محمد بن العلاء، ومحمد بن أبي بكر، وإبراهيم بن يعقوب - عن يحيى بن يعلى، وهو ابن الحارث المحاربي، قال: حدثنا أبي، عن غيلان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، فذكره.
-ورواه عن بريدة ابنه عبد الله - بنحوه: أخرجه أبو داود (٤٤٣٤) قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد (الزبيري) . و «النسائي» في الكبرى (تحفة الأشراف) ١٩٤٨ عن واصل ابن عبد الأعلى، عن ابن فضيل.
كلاهما - أبو أحمد، وابن فضيل - عن بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>