للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٥ - (خ م د) أبو بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيأته يومَ خلق اللهُ السموات والأرض، السَّنةُ اثنا عشر شهرًا منها: أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثَةٌ متواليات: ذو القعدة، وذو الحِجَّة والمحرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشَعبانَ، أيُّ شهر هذا؟» قُلنا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، فَسكَت حتى ظنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيه بغير اسمه، فقال: «أليس ذا الحجة؟» قلنا: بلى، قال: «أيُّ بلد هذا؟» قلنا: الله ورسُوله أعلم، فَسكَتَ حتى ظننَّا أنَّه سَيُسمِّيه بغير اسمه، قال: «أليس البلدَةَ الحرام؟» قلنا: بلى، قال: «فأيُّ يومٍ هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس يومَ النَّحْر؟» قلنا: بلى، قال: «فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحُرمَةِ يومكم هذا، ⦗٢٦٤⦘ في بلدِكم هذا، في شهركم هذا، وستلْقَون ربَّكم فيسألُكُم عن أعْمالِكم ألا فلا ترجعوا بعدي كُفّارًا، يَضْرِبُ بعضُكُم رقابَ بعضٍ، ألا ليُبَلِّغِ الشاهِدُ الغائبَ، فَلعلَّ بعضَ منْ يَبْلُغُهُ أن يكون أوْعى من بعض من سَمِعَهُ» ثم قال: «ألا هلْ بَلَّغتُ؟ ألا هل بلغت؟» قلنا: نعم! قال: «اللَّهُمَّ اشْهدُ» .

وفي رواية: أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَعَدَ على بَعيره، وأمسك إنسانٌ بِخِطامِهِ، أو بِزمَامِهِ، فقال: «أيُّ شهرٍ هذا؟» - وذكرَ نحوه مختصرًا - أخرجه البخاري ومسلم.

وزاد مسلم في رواية «ثُمَّ انْكَفَأ إلى كبْشَيْن أمْلَحَيْنِ، فَذَبحهما، وإلى جُزَيعَةٍ من الغَنَم فَقسَمَها بَيْننَا» .

وأخرج أبو داود طرفًا من أوله، إلى قوله «بين جُمادى وشعبان» .

قال الحميدي: قال الدارقطني: زيادةُ مسلم وَهْمٌ من ابن عَوْنٍ عن ابنِ سيرين، وإنَّما رواه ابن سيرين عن أنس.

وزاد في رواية «فلمَّا كان يومُ حُرِّقَ ابنُ الحضْرميّ (١) ، حين حَرَّقهُ جاريةُ ⦗٢٦٥⦘ ابنُ قُدَامة، قال: أشرفوا على أبي بَكْرَةَ، فقالوا: هذا أبو بكرة يراك، قال عبدُ الرحمن: فحدثتني أمِّي عن أبي بكرة أنه قال: لَو دخلوا عليَّ ما بَهَشْتُ لهم بِقَصَبَةٍ» (٢) .

ووجَدتُ في كتاب رزين بن معاوية العَبْدَريّ - رحمه الله -، الجامع لهذه الصحاح زيادةً في آخر هذا الحديث لم أجدها في الأصول التي نقلتُ منها: وهي هذه:

«ثلاث لا يَغِلَّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ أبدًا: إخلاصُ العمل لله، ومناصحَةُ وُلاة الأمر، ولزومُ جماعة المسلمين، فإن دعوتَهُم تُحيطُ من ورائِهم (٣) » . ⦗٢٦٦⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

الزمان قد استدار: بمعنى: دار، وذلك أنَّ العربَ كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر، وهو النَّسيء، ويفعلون ذلك سنةً بعد سنةٍ، فينتقل المحرَّم من شهر إلى شهرٍ، حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كان تلك السنة كان قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل أن ينقلوه.

رجب مضر: أضافَ رجبًا إلى مُضَرَ؛ لأنهم كانوا يُعَظِّمُونَهُ، فكأنهم اختصوا به، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الذي بين جمادى وشعبان» ذكره تأكيدًا للبيان وإيضاحًا؛ لأنَّهم كانوا يُنْسِئْونَهُ، ويُؤخِّرونَه من شهرٍ إلى شهر، فيحولونه عن موضعه، فبين لهم أن رجبًا هو الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا ما كانوا يسمون على حسب النَّسيء.

أوعى: وعى يَعي: إذا حفظ، وأوعى أفعل، مثله.

قوله: «لا ترجعُنَّ بعدي كُفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» قال ⦗٢٦٧⦘ الهروي: قال الأزهري: فيه قولان: أحدهما: لابسين السلاح، يقال: كفر فوق درعه: إذا لبس فوقها ثوبًا، والثاني: أنه يُكفّر الناس فيكفُر، كما تفعله الخوارج إذا استعرضوا الناس، وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: «مَن قال لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما» .

الانكفاء: الرجوع إلى الشيء والميل إليه.

أَملحين: الأملح من الغنم: النَّقيُّ البياض، وقيل: هو المختلط سواده وبياضه، إلا أن البياض فيه أكثر.

جُزيْعةُ: القطعة من الغنم، هكذا ذكره الجوهري، وذكرها ابن فارس في المجمل: الجَزِيعة، بفتح الجيم وكسر الزاي.

بَهَشت: إذا ملت إليه، وأقبلت نحوه، يقال لكل من نظر إلى شيء فمال إليه، وأعجبه: بهش إليه، وقد يكون للمدافعة والذَّبِّ، والمراد به: ما دفعتهم بقصبةٍ، ولا قاتلتهم بها.

لا يَغِلَّ عليهن قَلبُ مؤمن: تُروى هذه الكلمة بفتح الياء وكسر الغين، وهو من الغِلِّ: الحقد والضِّغن، يقول: لا يدخله شيء من الحقد يزيله عن الحق، ويُروى بضم الياء وكسر الغين من الخيانةٍ، والإغلال: الخيانة في كل شيء.

وقوله: «عليهن» في موضع الحال، أي: لا يغلُّ كائنًا عليهن قلبُ ⦗٢٦٨⦘ مؤمن، وإنما انتصب على النكرة لتقدمه، والمعنى: أنَّ هذه الخلال المذكورة في الحديث، تُسْتَصْلَحُ بها القلوب، فمن تمسك بها، طَهُرَ قلبه من الدَّغَل والفساد.


(١) قال الحافظ في " الفتح " ١٣/٢٣: وابن الحضرمي فيما ذكره العسكري اسمه عبد الله بن عمرو بن الحضرمي، وأبوه عمرو، هو أول من قتل من المشركين يوم بدر، وعلى هذا، فلعبد الله رؤية، وقد ذكره بعضهم في الصحابة، ففي " الاستيعاب " قال الواقدي: ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر، وعند المدائني أنه عبد الله بن عامر الحضرمي، وهو ابن عمرو المذكور، والعلاء بن الحضرمي الصحابي المشهور عمه، وجارية بن قدامة هو ابن مالك بن زهير بن الحصين التميمي السعدي، وكان السبب في ذلك ما حكاه العسكري في الصحابة: كان جارية يلقب محرقاً، لأنه أحرق ابن الحضرمي بالبصرة، وكان معاوية وجه ابن الحضرمي إلى البصرة ليستنفرهم ⦗٢٦٥⦘ على قتال علي، فوجه علي جارية بن قدامة، فحصره فتحصن منه ابن الحضرمي في دار فأحرقها جارية عليه وقوله: هذا أبو بكرة يراك، قال المهلب: لما فعل جارية بابن الحضرمي ما فعل أمر جارية بعضهم أن يشرفوا على أبي بكرة ليختبر إن كان محارباً أو في الطاعة، وكان قد قال له خيثمة: هذا أبو بكرة يراك، وما صنعت بابن الحضرمي، فربما أنكره عليك بسلاح أو بكلام، فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في علية له، قال: لو دخلوا علي داري ما رفعت عليهم قصبة، لأني لا أرى قتال المسلمين، فكيف أن أقاتلهم بسلاح؟! .
(٢) البخاري ٣/٤٥٩ في الحج، باب الخطبة أيام منى، وفي الأضاحي ١٠/٦ باب من قال: الأضحى يوم النحر، وفي التفسير ٨/٢٤٤ باب تفسير سورة براءة، وفي بدء الخلق ٦/٢١١ باب ما جاء في سبع أرضين، وفي الفتن ١٣/٢٣، باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، وفي العلم ١/١٤٥، باب رب مبلغ أوعى من سامع، وأخرجه مسلم رقم (١٦٧٩) في القسامة، باب تحريم الدماء، وأبو داود رقم (١٩٤٧) في الحج، باب الأشهر الحرم.
(٣) لم نر هذه الزيادة فيما بين أيدينا من المصادر من رواية أبي بكرة، وقد جاء في " الترغيب والترهيب " ١/٢٣ في إخلاص العمل لله، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع " نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها؛ فرب حامل فقه ليس بفقيه، ⦗٢٦٦⦘ ثلاث لا يغل عليهن ... " الحديث ثم قال: رواه البزار بإسناد حسن.
نقول: أخرج الشافعي في مسنده ١/١٤ من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهم قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم " وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد في المسند ٥/١٨٣ وغيره من حديث زيد بن ثابت، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان والحافظ ابن حجر، وفي الباب عن أبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، والنعمان بن بشير، وأبي قرصافة، وجابر، وأنس، وجبير بن مطعم، انظر تخريجها في " مجمع الزوائد " ١/١٣٧ - ١٣٩ للحافظ الهيثمي.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه أحمد (٥/٣٧) قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، وفي (٥/٤٥) قال: حدثنا هوذة بن خليفة، والدارمي (١٩٢٢) قال: أخبرنا أبو حاتم أشهل بن حاتم، والبخاري (١/٢٦) ، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا بشر. ومسلم (٥/١٠٨) قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا يزيد بن زريع. (ح) وحدثنا محمد بن المثنى، قالك حدثنا حماد بن مسعدة، والترمذي (١٥٢٠) قال: حدثنا الحسن بن علي الخلال، قال: حدثنا أزهر بن سعد السمان. والنسائي (٧/٢٢٠) قال: أخبرنا حميد بن مسعدة في حديثه، عن يزيد بن زريع، وفي الكبرى (الورقة ٥٣-ب) قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا بشر. وفي (الورقة ٧٦- أ) قال: أخبرنا سليمان بن سَلْم، قال: أخبرنا النضر.
ثمانيتهم - محمد بن أبي عدي، وهوذة، وأشهل، وبشر بن المفضل، ويزيد، وحماد بن مسعدة، وأزهر، والنضر بن شميل- عن عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، فذكره.
* أخرجه أحمد (٥/٣٩) قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وفي (٥/٤٩) قال: حدثنا أبو عامر. والبخاري (٢/٢١٦) وفي خلق أفعال العباد (٥١) قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبو عامر. وفي (٩/٦٣) ، وفي خلق أفعال العباد (٥١) قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى. ومسلم (٥/١٠٨، ١٠٩) قال: حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، قال: حدثنا يحيى بن سعيد.
(ح) وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة، وأحمد بن خراش، قالا: حدثنا أبو عامرعبد الملك بن عَمرو. وابن ماجة (٢٣٣) ، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان أملاه علينا. والنسائي في الكبرى (الورقة ٥٣ - ب، ٧٦- أ) قال: أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا أبو عامر. وابن خزيمة (٢٩٥٢) ، قال: حدثناه بندار، قال: حدثنا أبو عامر.
كلاهما - يحيى، وأبو عامر- عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، وعن رجل آخر، وهو في نفسي أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة به.
وفي رواية أبي عامر: عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة - ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن، حميد بن عبد الرحمن، عن أبي بكرة به.
* وأخرجه البخاري (١/٣٧) ، (٦/٨٣) قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدثنا حماد بن زيد. وفي (٤/١٣٠) (٥/٢٢٤) ، (٩/١٦٣) قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، وفي (٧/١٢٩) ، قال: حدثنا محمد بن سلام، قال: حدثنا عبد الوهاب، ومسلم (٥/١٠٧) قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ويحيى بن حبيب الحارثي، قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، وأبو داود (١٩٤٨) قال: حدثنا محمد بن يحيى بن فياض، قال: حدثنا عبد الوهاب.
كلاهما - حماد، وعبد الوهاب- عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، فذكره.
* وأخرجه أحمد (٥/٣٧) قال: حدثنا إسماعيل، قال: أخبرنا أيوب، وفي (٥/٤٠) قال: حدثنا أسباط بن محمد، قال: حدثنا أشعث، وأبو داود (١٩٤٧) قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا أيوب، والنسائي (٧/١٢٧) قال: أخبرنا عمرو بن زرارة، قال: أنبأنا إسماعيل، عن أيوب.
كلاهما - أيوب، وأشعث- عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة، فذكره.
ليس فيه عبد الرحمن بن أبي بكر.
وأخرجه أحمد (٥/٤٤) قال: حدثنا أسود بن عامر (٥/٤٥) قال: حدثنا عفان كلاهما عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، ومحمد، عن أبي بكرة، فذكره مختصرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>