للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٩٨٤ - (د) عبد الله بن الهوزني - وهو عبد الله بن لحي الحمصي - رحمه الله - قال: «لَقِيتُ بلالاً - مؤذِّنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحَلَبَ، فقلتُ: يا بلالُ، كيف كانت نفقة نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ما كان له شيء، كنت أنا الذي أَلي ذاكَ منه، منذُ بعثه الله تعالى إلى أَن تَوفَّاه، وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فيراه (١) عارياً، يأمرني فأنطَلِقُ فأستَقرِضُ، فأشتري له البُرْدَة، فأَكسوه وأُطعِمُه، حتى اعْترَضَنِي يوماً رجل من المشركين، فقال: يا بلال، [إنَّ] عندي سَعَة، فلا تسْتَقرِضْ من أَحد إلا منِّي، ففعلتُ. فلما أَن كان ذاتَ يوم توضأتُ ثم قمتُ لأُؤَذِّن للصلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عِصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشيّ: قلت: يا لبَّاهُ، فَتَجَهَّمَني، وقال لي قولاً غليظاً، وقال لي أتَدْرِي كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب. قال إنما بينك وبينه أربع، فآخُذُكَ بالذي عليك، فأرُدُّكَ تَرْعَى الغنم كما كنتَ قبل ذلك، فأجد في نفسي ما أجد في أَنفُسِ الناس (٢) حتى إذا صلَّيت العَتَمةَ، رجع رسول الله ⦗٧⦘ صلى الله عليه وسلم- إلى أَهله، فاستَأذنتُ عليه، فأذن لي، فقلتُ: يا رسولَ الله، بأَبِي أَنت [وأمِّي] ، إن المشرك الذي كنتُ أتديَّنُ منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنِّي، ولا عندي، وهو فاضِحي، فائْذَنّ لي في أن آبقَ إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين [قد] أسْلَمُوا، حتى يرزقَ الله رسولَه -صلى الله عليه وسلم- ما يقضي عني. قال فخرجت، حتى أتيتُ منزلي، فجعلتُ سَيْفِي وجرابي ونعلي ومجَنِّي عند رأسي، حتى إذا انْشَقَّ عمُودُ الصبْحُ الأول أردت أن أنطلق، فإذا إنسان [يسعى] يدعو: يا بلال: أجِبْ رسولَ الله، فانطلقتُ حتى أتيته، فإذا أربع رَكَائِبَ مُناخات عند الباب، عليهن أَحْمَالُهُنَّ، فاستأَذنتُ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أبْشِرْ، فقد جاء الله تعالى بقضائك، ثم قال: ألم تَرَ الرَّكائبَ المُنَاخَاتِ الأربعَ؟ قلت: بلى، قال: فإن لك رِقابَهُنَّ وما عليهن، وإن عليهن كُسْوَة وطعاماً، أهْدَاهُنَّ إليَّ عظيمُ فَدَك فاقْبِضْهُنَّ واقضِ دَينك، ففعلت -[فذكر الحديث - قال] : ثم انطلقتُ إلى المسجد، فإذا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاعد، فسلَّمتُ عليه، فقال: ما فعل ما قِبَلكَ؟ قلت: قد قضى الله كلَّ شيء كان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-[فلم يبق شيء] ، قال: أَفضُلَ شيء؟ قلت: نعم، قال: انظُرْ أن تُريحَنِي منه، فإني لستُ بداخل على أحد من أهلي حتى تُريحَني منه، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- العتمة دعاني، فقال: ما فعل الذي قِبَلك؟ قلت: هو معي، لم يأتنا أحد، فبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وأقام فيه [وقص الحديث قال] : حتى [إذا] صلى العتمة من الغدِ - ثم دعاني، ⦗٨⦘ فقال: ما فعل الذي قِبَلك؟ فقلت: قد أراحك الله منه [يا رسول الله] فكَّبَر وحَمِدَ الله - قال: وإنما كان يفعل ذلك شفقاً من أن يُدْركَه الموت وعنده ذلك - ثم اتَّبَعْتُه حتى جاء أزْوَاجهُ، فسلَّم على امرأة امرأة، حتى أتى التي عندَها مَبيتُه. فهذا الذي سأَلْتَني عنه» أخرجه أبو داود (٣) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(عصابة) : العصابة: الجماعة من الناس.

(تجهمني) : رجل جهم الوجه: كريه كالح، وجهمت الرجل وتجهمته: إذا كلحت في وجهه.

(أبق) : العبد يأبق: إذا هرب من مولاه.

(مِجَنِّي) : المِجَن: الترس، وهو من الجُنَّة التي تقي الإنسان.

(ركائب) : الركائب: جمع ركوبة، وهي ما يركب عليه من الإبل، كالحمولة: ما يحمل عليه منها.

(رقابهن) : الرقاب: جمع رقبة، وهي كناية عن الذات جميعها، يقال: لك رقبة هذا العبد أو الفرس أو الجمل، أي: هو لك. ومنه قوله تعالى {فتحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] أي إعتاق عبد أو أمة. ⦗٩⦘

(شفقاً) : الشفق: الخوف، وكذلك الإشفاق.


(١) في نسخ أبي داود المطبوعة: فرآه.
(٢) في بعض النسخ: فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس.
(٣) رقم (٣٠٥٥) في الإمارة، باب في الإمام يقبل هدايا المشركين، ورجال إسناده ثقات، كما قال الشوكاني في " نيل الأوطار ".

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه أبو داود (٣٠٥٥) قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، وفي (٣٠٥٦) قال: حدثنا محمود ابن خالد، قال: حدثنا مروان بن محمد.
كلاهما - الربيع، ومروان - قالا: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد، أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عبد الله الهوزني، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>