للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٢٣٢ - (خ م) عائشة - رضي الله عنها -: قالت: استأذنَ حسَّانُ بنُ ثابت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- في هِجاء المشركين، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «فكيف بِنَسَبي؟ فقال حسانُ: لأسلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشَّعرَةُ من العجين» .

وفي رواية قال عروة: «ذهبتُ أسُبُّ حسَّانَ عند عائشة، فقالت: لا تَسُبَّه، فإنه كان يُنَافِحُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-» .

وفي رواية «أن حسَّان بن ثابت كان ⦗١٧٥⦘ ممن كَبُرَ (١) على عائشة، فسَبَبْتُه، فقالت: يا ابن أختي، دَعْهُ ... » وذكر باقي الحديث.

وفي رواية، قالت: قال حسان: يا رسول الله، ائذن لي في أبي سفيان، قال: كيف بقرَابتي منه؟ قال: والذي أكرمَكَ، لأُسلَّنَّكَ كما تُسَلُّ الشَّعْرَة من الخمير، فقال حسان:

وإنَّ سَنَامَ المجدِ من آلِ هَاشِم ... بنُو بَيْتِ مَخْزُوم، وَوَالِدُكَ العَبْدُ (٢)

قصيدتَهُ هذه. أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: اهجُوا قريشاً، فإنه أشدُّ عليها من رَشْقِ النَّبل، فأرسل إلى ابن رَوَاحةَ، فقال: اهّجهُمْ، فلم يُرْضِ، فأرسلَ ⦗١٧٦⦘ إلى كعب ابن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسانُ: قد آن لكم أن تُرْسِلوا إلى هذا الأسدِ الضَّاربِ بِذَنَبِهِ، ثم أدْلَعَ لسانه، فجعل يُحرِّكُه، فقال: والذي بعثك بالحق، لأفرينَّهُمْ بلساني فرْيَ الأديم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تَعْجلْ فإن أَبا بكر أعلمُ قريش بأَنسابها، وإن لي فيهم نَسَباً، حتى يُلَخِّصَ لك نسَبي، فأتاه حسان، ثم رجع، فقال: والذي بعثك بالحق، لأسُلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول لحسان إن رُوحَ القُدُس لا يزال يُويِّدُكَ ما نَافحتَ عن الله ورسوله، وقالت عائشة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: يقول: هَجاهُم حسان، فشَفى واشْتَفى، قال حسان:

هَجَوْتَ محمداً فأجبْتُ عنه ... وعندَ الله في ذاكَ الجَزَاءُ

هَجوتَ محمداً برّاً تقيّاً (٣) ... رسولَ الله شيمتهُ الوَفَاءُ

فإن أَبي وَوَالدَهُ وعِرضي ... لِعِرْضِ محمدٍ منكم وقَاءُ

ثَكِلْتُ بُنَيَّتي إن لم تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ من كَنَفي كَداءُ

يُبَارِينَ الأعنَّةَ مُصْعِدَات ... على أَكتافِها الأسَلُ الظِّماءُ

تَظَلُّ جِيَادُنا مُتَمَطِّرَات ... تُلَطِّمُهُنَّ بالْخُمُرِ النِّسَاءُ ⦗١٧٧⦘

فإنْ أَعْرَضْتُمُ عنا اعْتَمَرنا ... وكَان الفَتْحُ، وَانكَشَف الغِطَاءُ

وإلا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ (٤) يَوْم ... يُعِزُّ الله فيه من يشاءُ

وقال الله: قد أرْسَلْتُ عبداً ... يقولُ الحقَّ، ليس به خفاءُ

وقال الله: قد يَسَّرتُ جنداً ... هُمُ الأنصارُ عُرْضتها اللِّقَاءُ

تَلاقى كلَّ يوم من مَعَدّ (٥) ... سِبَاب، أَوقتال، أو هِجاءُ

فَمَنْ يَهْجُوا رَسولَ الله منكم ... ويَمدَحُه وَينصُرُهُ سَوَاءُ

وجبريل رسولُ الله فينا ... وروُحُ القُدْسِ ليس له كِفاءُ (٦)

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(كَبُرَ على عائشة) : أراد بقوله: «كبر على عائشة» من قوله تعالى: {والذي تولَّى كِبْرَه منهم له عذاب عظيم} [النور: ١١] .

(سنام المجد) : سنام كل شيء: أعلاه، والمجد: الشرف والعلاء والفخر والسؤدد، وما أشبهه.

(رَشْق النبل) : الرَّشْق: البرمي، وهو بالفتح: المصدر، تقول: ⦗١٧٨⦘ رشقته رشقاً. وبالكسر: الوجه من الرمي: إذا رموا بأجمعهم. قالوا: رمينا رِشقاً.

(أدلع) : دلع لسانه وأدلعه إذا أخرجه، ودلع لسانه يتعدَّى ولا يتعدى.

(لأفرينَّهم فري الأديم) : أفريت الشيء، إذا قطعته على جهة الإفساد، فإذا فعلته على جهة الإصلاح قلت: فريته، وفري الأديم قطع الجزار إياه.

(برّاً) : البر: الصادق.

(حنيفاً) : الحنيف: المائل عن الأديان إلى الإسلام.

(تثير النقع) : النقع: الغبار: وإثارته: نشره وإظهاره في الحق.

(كَداء) : الممدود - بفتح الكاف-: هو بأعلى مكة عند المقبرة، وتسمى الناحية: المعلى، وهنالك المحصَّب، وليس بمحصَّب مِنى، وكان باب بني شيبة بإزائه، وكُدى - بالقصر والضم مصروفاً -: هو بأسفل مكة، وهو بقرب شعب الشافعيين وابن الزبير، عند قُعيقعان، وهنالك موضع آخر يقال له: كُدَي، مصغراً، وإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن، فهو في طريقه، وليس من هذين المقدمين في شيء.

(يُبارين الأعنة) : المباراة: المجاراة والمسابقة.

(الأسل الظِّماء) الأسل: الرماح، وهو في الأصل: نبات له أغصان ⦗١٧٩⦘ دقاق طوال. والظِّماء: جمع ظامئ، وهو العطشان، جعل الرماح عطاشاً إلى ورود الدماء استعارة، فهي إلى ذلك أسرع، كمسارعة العطشان إلى ورود الماء.

(متمطِّرات) : مَطر الفرس يمطُر مَطراً ومُطوراً: إذا أسرع، وتمطَّر تمطُّراً: مثله.

(عُرْضَتها) يقال: فلان: عُرْضَة لكذا: إذا كان مستعدّاً له، متعرضاً له.


(١) كذا بالأصل بالباء الموحدة، وشرحها بأنه مأخوذ من قول الله {والذي تولى كبره منهم} لكن في " صحيح مسلم " (كثر) بالثاء المهملة مشددة مفتوحة.
(٢) وبعد هذا البيت بيت لم يذكره البخاري ومسلم، وبذكره تتم الفائدة والمراد، وهو:
ومن وَلَدَتْ أبناءُ زُهْرةَ مِنْهُمُ ... كرَامٌ ولم يَقْرَبْ عَجَائِزكَ المجدُ
والمراد ببيت مخزوم: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله والزبير وأبي طالب بني المطلب، والمراد بأبي سفيان المهجو في الحديث: أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك الوقت، ثم أسلم وحسن إسلامه.
وقوله: ولدت أبناء زهرة منهم، مراده: هالة بنت وهب بن عبد مناف أم حمزة وصفية، وأما قوله في البيت الأول: ووالدك العبد، فهو سب لأبي سفيان بن الحارث، ومعناه أن أم الحارث ابن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا: هي سمية بنت موهب، وموهب غلام لبني عبد مناف، وكذا أم أبي سفيان بن الحارث كانت كذلك، وهو مراده بقوله: ولم يقرب عجائزك المجد.
(٣) وفي كثر من نسخ مسلم: حنيفاً، وفي ديوان حسان بشرح البرقوقي: هجوت مباركاً براً حنيفاً.
(٤) في " ديوان حسان ": لجلاد يوم.
(٥) في " صحيح مسلم " والديوان: لنا في كل يوم من معد.
(٦) رواه البخاري ١٠ / ٤٥٢ في الأدب، باب هجاء المشركين، وفي الأنبياء، باب من أحب أن لا يسب نسبه، وفي المغازي، باب غزوة أنمار، ومسلم رقم (٢٤٨٧) و (٢٤٨٩) و (٢٤٩٠) في فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه البخاري (٤/٢٢٥) و٥/١٥٤) قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبدة. وفي (٨/٤٤) ، وفي الأدب المفرد (٨٦٢) قال: حدثنا محمد بن سلام. قال: حدثنا عبدة. و «مسلم» (٧/١٦٤) قال: حدثنا يحيى بن يحيى. قال: أخبرنا يحيى بن زكريا. (ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة. قال: حدثنا عبدة.
كلاهما (عبدة بن سليمان، ويحيى بن زكريا) عن هشام بن عروة، عن أبيه، فذكره.
والرواية الثانية أخرجها مسلم (٧/١٦٤) قال: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث. قال: حدثني أبي، عن جدي. قال: حدثني خالد بن يزيد. قال: حدثني سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن غزية. عن محمد بن إبراهيم. عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>