أرغب أن يجعل ذلك عطاءً يتصل طارفه وتليده، ولباسًا لا يبلى جديده، وذُخرًا لا يفنى عتيدُه، وحباءً (١) يورق عوده، ويثمر وعوده.
وبعد، فإن شرف العلوم يتفاوت بشرف مدلولها، وقدرها يعظم بعظم محصولها. ولا خلاف عند ذوي البصائر أن أجلَّها ما كانت الفائدة فيه أعم، والنفع به أتم، والسعادة باقتنائه أدوم، والإنسان بتحصيله ألزم، كعلم الشريعة الذي هو طريق السعداء إلى دار البقاء، ما سلكه أحد إلا اهتدى، ولا استمسك به من خاب، ولا تجنبه من رَشَد، فما أمنع جنابَ من احتمى بحماه، وأرغد مآب من ازدان بحُلاه.
وعلوم الشريعة على اختلافها تنقسم إلى: فرض، ونفل.
والفرض ينقسم إلى: فرض عين، وفرض كفاية.
ولكل واحد منهما أقسام وأنواع، بعضها أصول، وبعضها فروع، وبعضها مقدِّمات، وبعضها مُتَمِّمَات، وليس هذا موضعَ تفصيلها، إذ ليس لنا بغرض.
إلا أن من أصول فروض الكفايات، علم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وآثار أصحابه - رضي الله عنهم -، التي هي ثاني أدلة الأحكام.
ومعرفتها أمر شريف، وشأن جليل، لا يحيط به إلا من هذَّب