للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٥٤٢ - (ت د س) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقول في آخر وترِهِ: «اللهم إني أعوذُ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك (١) ، لا أُحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» . أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي (٢) . ⦗٣٩٣⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(أعوذ برضاك من سخطك) : هذا الحديث قد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي فيما رويناه من كتبهم «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» قدموا الاستعاذة بالرضى من السخط، ثم بالمعافاة من العقوبة، ثم به منه، ورأيت بعض أكابر العلماء قد ذكر هذا الحديث في بعض كتبه، فبدأ بالمعافاة، ثم بالرضى، وذكر له معنى حسناً، فقال: إنما ابتدأ بالتعوذ بالمعافاة من العقوبة، لأن المعافاة والعقوبة من صفات الأفعال، كالإماتة والإحياء، والرضى والسخط: من صفات الذات، وصفات الأفعال أدنى رتبة من صفات الذات، فبدأ بالأدنى، مترقياً إلى الأعلى، فلذلك بدأ بصفات الأفعال، ثم ثنَّى بصفات الذات، ثم لما ازداد يقيناً فيه وارتفاعاً: ترك الصفات، وقصر نظره على الذات، فقال: «وأعوذ بك منك» ثم ازداد قرباً بما استحيى به من الاستعاذة على بساط القرب، فالتجأ إلى الثناء، فقال: «لا أحصي ثناء عليك» ثم علم أن ذلك قصور، فقال: «أنت كما أثنيت على نفسك» وهذه انتقالات في درجات الصديقين، ومقامات العارفين، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.

وهذا التأويل الذي ذكره هذا العالم رحمه الله على حسنه إنما يتم له على الترتيب الذي أورده، من تقديم المعافاة على الرضى، [فأما] على ما ورد في رواية ⦗٣٩٤⦘ هؤلاء الأئمة رحمهم الله، فلا ينتظم، على أن له وجهاً سديداً، وتأويلاً صالحاً، وذلك: أنه إنما قدَّم الاستعاذة بالرضى من السخط، لأن المعافاة من العقوبة تحصل بحصول الرضى، فإذا قال: «أعوذ برضاك من سخطك» فقد استعاذ بمعافاته من عقوبته، وكان الثاني داخلاً في حكم الأول.

فإن قيل: فإذا كان داخلاً في حكمه، فأي حاجة إلى إعادة ذكره؟ قيل: إن دلالة الأول على الثاني هي دلالة تضمين، فلا يُقنَع بها، فأراد أن يدل عليها دلالة مطابقة، فكَنى عنها أولاً، ثم صرح بها ثانياً، ولأن الراضي قد يُعَاقِب: إما لاستيفاء حق، أو لما يراه من المصلحة، فحيث احتمل هذا الأمر: عدل إلى الإفصاح بالاستعاذة من العقوبة، فقال: «وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك» ثم لما كمل له الأمران مصرِّحاً بهما، ترك النظر إلى الصفات، ولجأ إلى الذات كما سبق في الأول. والله أعلم.


(١) أي بذاتك من آثار صفاتك، وفيه إيماء إلى قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} وإشارة إلى قوله تعالى: {ففروا إلى الله} .
(٢) رواه أبو داود رقم (١٤٢٧) في الصلاة، باب القنوت في الوتر، والترمذي رقم (٣٥٦١) في الدعوات، باب في دعاء الوتر، والنسائي ٣ / ٢٤٨ و ٢٤٩ في قيام الليل، باب الدعاء في الوتر، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه أحمد (١/٩٦) (٧٥١) قال: حدثنا يزيد. وفي (١/١١٨) (٩٥٧) قال: حدثنا بهز وأبو كامل. وعبد بن حميد (٨١) قال: أخبرنا يزيد بن هارون، وأبو داود (١٤٢٧) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل. وابن ماجه (١١٧٩) قال: حدثنا أبو عمر حفص بن عمرو، قال: حدثنا بهز بن أسد. والترمذي (٣٥٦٦) قال: حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون. وعبد الله بن أحمد (١/١٥٠) (١٢٩٤) قال: حدثني إبراهيم بن الحجاج الناجي. والنسائي (٣/٢٤٨) . وفي الكبرى (١٣٥٣) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا سليمان بن حرب، وهشام بن عبد الملك. وفي الكبرى - تحفة الأشراف (١٠٢٠٧) عن إسحاق بن منصور، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك به.

<<  <  ج: ص:  >  >>