للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٠٦٣ - (خ د) البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم- جيشاً من الرُّماة، وأمَّرَ عليهم عبد الله بنَ جُبَير وقال: لا تبرحوا، فإن رأيتمونا ظَهَرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تُعِينونا، فلما لقِينا هَرَبُوا، حتى رأيتُ النساءَ يَشْتَدِدْنَ في الجَبَل، رفعن عن سُوقِهِنَّ، قد بَدَتْ خَلاخِيلُهنَّ، فأخذوا يقولون: الغنيمة، الغنيمةَ، فقال عبد الله [بنُ جُبير] : عهد [إليَّ] النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: أن لا تبرحوا، فأبَوْا، فلما أبَوْا صرفَ الله وجوهَهم، فأصيبَ سبعون قتيلاً، وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: لا تجيبوه، قال: أفي القوم ابنُ أبي قُحافةَ؟ فقال: لا تجيبوه، قال: أفي القوم ابنُ الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قُتِلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمرُ نفسَه، فقال: كذبتَ يا عدوَّ الله، أبْقَى الله لك ما يُحزنك، قال أبو سفيان: أُعْلُ هُبَل؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- أجيبوهُ، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجَلُّ، قال أبو سفيان: لنا العُزَّى، ولا عُزّى لكم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولَى لكم، قال أبو سفيان: يوم بيومِ بدر، والحربُ سِجال، وتجدون مُثْلة، لم آمُرْ بها، ولم تَسُؤْني» . ⦗٢٣٦⦘

زاد في رواية رزين: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «أجيبوه، فقالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار» .

وفي رواية (١) قال: «جعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- على الرَّجَّالة يومَ أحُد - وكانوا خمسين رَجُلاً، وهم الرُّماة - عبد الله بنَ جُبير، فقال: إن رأيتمونا تَخْطَفُنا الطير فلا تبرحوا، حتى أُرْسِلَ إليكم، فهزمهم الله، فأنا والله رأيتُ النساءَ يَشْتَدِدْنَ، وقد بدت خلاخيلُهن وأسْوُقُهن، رافعات ثيابهنَّ، فقال أصحابُ عبد الله بن جبير: الغنيمةَ، أي قومِ، الغنيمةَ، ظهر أصحابُكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتُم ما قال لكم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبنَّ من الغنيمة، فلما أتَوْهم صُرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذلك قوله تعالى: {والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ في أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: ١٥٣] فلم يبق مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- غيرُ اثْنَيْ عشر رجلاً، فأصابوا منَّا سبعين، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- قد أصاب من المشركين يوم بَدْر أربعين ومائة: سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ - ثلاث مرات - فنهاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابنُ أبي قحافة؟ - ثلاث مرات - ثم قال: أفي القوم ابنُ الخطَّاب؟ - ثلاث مرات - ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أمَّا هؤلاء فقد قُتلوا، فما ملك عمرُ نفسَه، فقال: كذبتَ والله يا عدوَّ الله، إن الذين عددتَ لأحْياء كلُّهم، وقد بقي ⦗٢٣٧⦘ لك ما يسوؤُك، قال: يوم بيوم بدر، والحرب سِجال، إنكم ستجدون في القوم مُثْلة لم آمر بها، ولم تسؤْني، ثم أخذ يرتجز: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَل، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-: ألا تجيبوه؟ ... وذكره إلى قوله: ولا مولَى لكم» . أخرجه البخاري.

وأخرج أبو داود الرواية الثانية إلى قوله: «صُرفت وجوههم، ثم قال: وأقبلوا منهزمين» وفي رواية «فأنا والله رأيتُ النساءَ يُسْنِدْنَ في الجبل» (٢) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(يَشْتَددن) الشَّدُّ: العَدْوُ، هكذا جاء في كتاب الحميدي «يشتددن» والذي جاء في كتاب البخاري «يَشْتَدْن» هكذا بدال واحدة، وقد نقطها نقط الشين والتاء، وكثيراً ما يجيء هذا النوع في كتب الحديث بترك إظهار التضعيف، وهو قبيح في العربية، لأن الإدغام إنما جاز في الحرف المضعَّف لما سكن الأول وتحرك الثاني، فأدغمه، وصح الإدغام، فقالوا، شدَّ يشد، واشتدّ يشتدّ، فأما إذا صرت إلى الإخبار عن جماعة النساء، فتقول: شَدَدْن يَشْدُدْن واشْتَدَدْنَ يَشْتددِنَ، فيظهر التضعيف، لأن نون جماعة النساء مفتوحة، ولا يكون قبلها إلا ساكن، فإذا سكن ما قبلها، وهو الحرف ⦗٢٣٨⦘ الثاني من الحرف المشدَّد، والحرف الأول من المشدَّد ساكن أيضاً، فاجتمع ساكنان، ولا يُمكن النطق بهما، فحرك الأول، لأن الثاني قُصِدَ سكونه لأجل نون جماعة النساء، فإذا تحرَّك الأول ظهر التضعيف، ولا يجوز إدغامه، بل لا يمكن، والذي جاء في سنن أبي داود «يُسْنِدْن» بسين مهملة ونون، قال الخطابي ومعناه: يُصعِدن فيه، يُقال: سند الرجل وأسند في الجبل: إذا صعِد فيه، والسند: ما ارتفع من الأرض، ويحتمل أن يكون الذي جاء في كتاب البخاري، وهو بدال واحدة، إنما أراد ما أراده أبو داود، والنُّسَّاخ أحالوه بالنقط إلى غيره.

(أسْوقهن) السُّوق: جمع ساق الإنسان.

(أُعْلُ هُبَل) هُبَل: اسم صنم، وقوله: «اعْلُ» أمر بالعلو.

(العُزَّى) اسم صنم، وهو تأنيث الأعزِّ.

(الحرب سجال) أي تكون لنا مرة، ولكم مرة، وأصله من المُسْتَقِين بالدَّلْو، وهو السَّجْل، يكون لهذا دَلْو، ولهذا دَلْو.

(مُثلَة) المثلة: تشويه خِلْقَة القتيل بجَدْعٍ أو قطع.

(تخطَفنا الطير) الاختطاف: الأخذ بسرعة، وهذا تمثيل لشدة ما يتوقع أن يلقاه، أي: لو رأيتمونا وقد أخذتنا الطير وأعدَمَتْنا من الأرض فلا تبرحوا مكانكم. ⦗٢٣٩⦘

(صرف وجوههم) كنى بصرف الوجوه عن الهزيمة، فإن المنهزم يلوي وجهه عن الجهة التي كان يطلبها إلى ورائه.

(أُخْراكم) أي في أخراكم.


(١) هي للبخاري أيضاً.
(٢) رواه البخاري ٧ / ٢٦٩ - ٢٧٢ في المغازي، باب غزوة أحد، وباب فضل من شهد بدراً، وباب {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد} ، وفي الجهاد، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وفي تفسير سورة آل عمران، باب قوله: {والرسول يدعوكم في أخراكم} ، وأبو داود رقم (٢٦٦٢) في الجهاد، باب في الكمناء.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
١- أخرجه أحمد (٤/٢٩٣) قال: حدثنا حسن بن موسى. وفي (٤/٢٩٤) قال: حدثنا يحيى بن آدم. والبخاري (٤/٧٩، ٥/١٠٠، ١٢٦، ٦/٤٨) قال: حدثنا عمرو بن خالد وأبو داود (٢٦٦٢) قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي. والنسائي في الكبرى تحفة الأشراف (١٨٣٧) عن زياد بن يحيى، وعمرو بن يزيد.
كلاهما عن أبي داود. (ح) وعن هلال بن العلاء، عن حسين بن عياش.
ستتهم - حسن، ويحيى، وعمرو، والنفيلي، وأبو داود، وحسين - عن زهير.
٢- وأخرجه البخاري (٥/١٢٠) قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل.
كلاهما - زهير، وإسرائيل - عن أبي إسحاق، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>