للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٠٦ - (خ م ت) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: خَطبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خُطْبة ما سمعتُ مثلَها قَطٌّ، فقال: «لو تعلمون ما أعلمُ لضَحِكتم قليلاً، ولبَكَيْتمْ كثيراً» ، قال: فَغَطَّى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، ولهم خنين (١) ، فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت هذه الآية {لا تسأَلوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تسُؤْكُم} [المائدة: آية ١٠١] .

وفي رواية أخرى أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغتِ الشمسُ، فصلى الظُّهْرَ، فقام على المنبر فذكر الساعةَ، وذكَرَ أَنَّ فيها أُمُوراً ⦗١٢٣⦘ عظاماً، ثم قال: «من أحبَّ أن يسألَ عن شيءٍ فلْيَسألْ، فلا تسألوني عن شيءٍ إلا أخبرتُكم ما دمتُ في مَقامي، فأكثَرَ الناسُ البكاءَ، وأكثر أن يقول: سَلُوا» فقام عبدُ الله بنُ حُذافَةَ السَّهْمِيُّ، فقال: مَن أَبِي؟ فقال: أبوكَ حُذافَةُ، ثم أَكْثَرَ أنْ يقول: سَلُوني، فَبَرَكَ عمرُ على رُكبتيه، فقال: رضينا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبيّاً، فَسَكَتَ (٢) ثم قال: عُرِضَتْ عليَّ الجنةُ والنارُ آنفاً في عُرْض هذا الحائط، فلم أرَ كاليوم في الخير والشَّرِّ قال: ابن شهابٍ: فأخبرني عُبَيْدُ الله بنُ عبد الله بن عُتْبَةَ قال: قالت أم عبد الله بنُ حُذَافة لعبد اللهِ بْنِ حُذافَةَ: ما سمعتُ قَطُّّ أَعَقَّ منك، أمِنْتَ أن تكون أُُمُّكَ قَارفتْ بعضَ ما يُقارفُ أهل الجاهلية فَتَفضَحَهَا (٣) على أعين الناس؟ فقال عبد الله بن حذافة: لو ألحقَني بعبدٍ أَسودَ لَلَحِقْتُهُ.

وفي أخرى قال: بلغ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيءٌ، فخطَبَ، ⦗١٢٤⦘ فقال: «عُرِضَتْ عليَّ الجنةُ والنَّارُ، فلم أرَ كاليوم في الخير والشَّرِّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، قال: فما أَتَى على أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومٌ أَشدُّ منه، قال: غَطوْا رءوسهم، ولهم خنينٌ..» ، ثم ذَكَر قيامَ عمر وقولَه، وقولَ الرجل: مَنْ أَبِي؟ ونزولَ الآية.

وفي أخرى قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتَّى أحْفَوْهُ في المسأَلِة، فصَعِد ذاتَ يومٍ المنبرَ، فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بَيَّنْتُهُ لكم، فلما سمعوا ذلك أرَمُّوا (٤) ورَهِبُوا أن يكون بين يديْ أمْرٍ قد حَضَرَ، قال أَنس: فجعلتُ أنْظُرُ يميناً وشمالاً، فإذا كلُّ رجلٍ لافٌّ رأسَهُ في ثوبه يَبْكِي، فأنشأ رجل -كان إذا لاحَى يُدْعَى إلى غير أبيه - فقال: يا نبيَّ الله، منْ أبي؟ قال: أبوك حُذافةُ، ثم أنشأ عمر، فقال: رضينا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، نعوذُ بالله من الفِتن، فقال رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيتُ في الخير والشر كاليوم قطُّ، إني صُوِّرتْ لي الجنةُ والنارُ، حتى رأيتُهما دون الحائط» .

قال قتادة: يُذكرُ هذا الحديثُ عند هذه الآية {لا تسألوا عن أشياء إنْ تُبْدَ لكم تَسُؤْكُمْ} أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرج الترمذي منه طَرفاً يسيراً، قال: قال رجل: يا رسولَ اللهِ، منْ أبي؟ قال: أبوك فلان: فنزلت: {يا أيُّها الذين آمنوا لا تسألوا عن ⦗١٢٥⦘ أشياء إنْ تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم} (٥) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(آنفاً) فعلت الشيء آنفاً، أي: الآن.

(الخنين) بالخاء المعجمة، شبيه بالبكاء مع مشاركة في الصوت من الأنف.

(عرض) عرض الشيء: جانبه.

(المقارفة) هاهنا: الزنا، وهي في الأصل: الكسب والعمل.

(أحفوه) الإحفاء في السؤال: الاستقصاء والإكثار.

(أرَمُّوا) أرمَّ الإنسان: إذا أطرق ساكتاً من الخوف.

(رهبة) الرهبة: الخوف والفزع.


(١) قال النووي ١٥ / ١١٣: هكذا هو في معظم النسخ " خنين "، ولبعضهم بالحاء المهملة. وممن ذكر الوجهين: القاضي وصاحب التحرير وآخرون، قالوا: معناه بالمعجمة: صوت البكاء: وهو نوع من البكاء دون الانتحاب، وأصله: خروج الصوت من الأنف كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة.
(٢) وفي رواية عند البخاري في كتاب الاعتصام ١٣ / ٢٣٠ وعند مسلم في باب توقير النبي صلى الله عليه وسلم " فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله: أولى والذي نفس محمد بيده، لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً ".
(٣) قال النووي: معناه: لو كنت من زنا فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني.
وأما قوله: " لو ألحقني بعبد أسود للحقته " فقد يقال: هذا لا يتصور، لأن الزنا لا يثبت به النسب. ويجاب عنه: بأنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم، وكان يظن أن ولد الزنا يلحق بالزاني، وقد خفي هذا على أكبر منه، وهو سعد بن أبي وقاص، حين خاصم في ابن وليدة زمعة، فظن أنه يلحق أخاه بالزنا.
والثاني: أنه يتصور الإلحاق بعبد وطئها بشبهة، فيثبت النسب منه. والله أعلم.
(٤) " أرموا " بفتح الراء وتشديد الميم المضمومة: أي سكتوا، وأصله من المرمة: وهي الشفة؛ أي: ضموا شفاهم بعضها على بعض فلم يتكلموا، ومنه رمت الشاة الحشيش: ضمته بشفتها.
(٥) البخاري ٨ / ٢١١ في تفسير سورة المائدة، باب قوله تعالى {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} ، وفي الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً "، وفي الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال، ومسلم رقم (٢٣٥٩) في الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم، والترمذي رقم (٣٠٥٨) في التفسير، باب ومن سورة المائدة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: ١- أخرجه أحمد (٣/٢٠٦) ، والبخاري (٩/١١٨) قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، و «مسلم» (٧/٩٣) ، و «الترمذي» (٣٠٥٦) قالا: حدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي. ثلاثتهم -أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الرحيم ومحمد بن معمر - قالوا: حدثنا روح بن عبادة.
٢-وأخرجه أحمد (٣/٢١٠) قال: حدثنا سُليمان، وأبو سعيد مولى بني هاشم.
٣-وأخرجه أحمد (٣/٢٦٨) قال: حدثنا عفان.
٤- وأخرجه الدارمي (٢٧٣٨) قال: حدثنا أبو الوليد.
٥- وأخرجه البخاري (٦/٦٨) قال: حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أبي.
٦-وأخرجه البخاري (٨/١٢٧) قال: حدثنا سليمان بن حرب.
٧- وأخرجه مسلم (٧/٩٢) قال: حدثنا محمود بن غيلان، ومحمد بن قدامة السلمي، ويحيى بن محمد اللؤلؤي، و «النسائي» في الكبرى «تحفة الأشراف» (١٦٠٨) عن محمود بن غيلان، ثلاثتهم عن النضر ابن شميل.
ثمانيتهم -روح، وسليمان بن داود، وأبو سعيد، وعفان، وأبو الوليد، والوليد بن عبد الرحمن، وسليمان بن حرب والنضر -عن شعبة، عن موسى بن أنس، فذكره.
(*) رواية روح مختصرة على سؤال الرجل، ونزول الآية.
(*) رواية سليمان بن داود، وأبي سعيد، وعفان، وأبي الوليد، وسليمان بن حرب مختصره علي «لو تعلمون ماأعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ... » .

<<  <  ج: ص:  >  >>