للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٨٦٧ - (خ م ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - «قال شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر: إنه سمع أنَسَ بن مالك يقول ليلة أُسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من مسجد الكعبة: أنه جاءه ثلاثة نَفَر - قبل أَن يُوحَى إِليه - (١) وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أَيُّهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يَرَى قلبُه وتنام عينه، ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام عيونُهم، ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه - حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل عليه السلام، فشقَّ جبريل ما بين نحره إلى لَبَّته حتى فرغ من صدره وجوفه، وغَسَله من ماء زمزم، حتى أنْقَى جوفه، ثم أُتي بِطَست من ذهبٍ فيه تَوْر من ذهب، محشو إيماناً وحكمة، فَحشى به صدرَه ولغَاديدَهُ - يعني عروقَ حَلْقِه - ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب باباً من أبوابها، فناداه أهل السماء: مَنْ هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بُعِث إليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحباً به وأهلاً، واستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء ما يريد الله في الأرض حتى يُعلِمهم، فوجد ⦗٢٩٨⦘ في السماء الدنيا: آدم عليه السلام، فقال له جبريل: هذا أبوك [آدم] فسلِّم عليه، [فسلَّم عليه] ، ورَدَّ عليه، وقال: مرحباً وأهلاً يا بني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يَطَّرِدان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل، والفرات - عنصرهما - قال: ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهرٍ آخر عليه قصرٌ من لُؤلُؤ وزَبَرْجَد، فضرب بيده، فإذا هو مسك أذفر، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خَبأ لك ربُّك، ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت له الملائكة مثل ما قالت الأولى: مَنْ هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحباً به وأهلاً، قال: ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة، فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كلُّ سماء فيها أنبياء قد سَمَّاهم، فأوعيتُ منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة - ولم أحفظ اسمه - وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بتفضيل كلام الله تعالى، فقال موسى: ربِّ، لم أظُنّ أن ترفع عليَّ أحداً، ثم علا به فوق ذلك مما لا يعلمه أحد إلا الله، حتى جاء سِدْرة المنتهى، ودَنا الجبَّار ربُّ العزة، فتدلى حتى كان قابَ قوسين أو أدنى (٢) ، فأوحى الله إليه فيما يوحى إليه ⦗٢٩٩⦘ خمسين صلاةً على أُمَّتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد ماذا عَهِدَ إِليك ربُّك؟ قال: عَهِدَ إليَّ خمسين صلاةً كلَّ يوم وليلة، قال: إنَّ أُمَّتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفِّفْ عنك ربُّك وعنهم، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى جبريل - كأنه يستشيره في ذلك - فأشار إليه جبريل: أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تعالى، فقال وهو مكانه: يا رب خَفِّفْ عنا، فإن أُمِّتي لا تستطيع هذا، فَوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردِّده موسى إلى ربِّه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عنه الخمس، فقال: يا محمد، لقد راودتُ بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا وتركوه، وأُمَّتُك أضعفُ أجساداً وقلوباً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً، فارجع فليخفِّفْ عنك ربك، كُلُّ ذلك يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى جبريل ليُشِير عليه، فلا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة، فقال: يا رب، إن أُمَّتي ضعفاء، أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفِّف عنا، فقال الجبار: يا محمد، قال: لَبَّيْكَ وسَعْدَيك، قال: لا يُبَدَّلُ القولُ لدَيَّ، كما فرضتُ عليك في أمِّ الكتاب، فكلُّ حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمسٌ عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: خَفَّفَ عَنَّا، أعطانا بكلِّ حسنة عشر أمثالها، فقال موسى: قد والله راودتُ بني إسرائيل على أدنَى من ذلك، فتركوه، ⦗٣٠٠⦘ فارجع إلى ربِّك فليخفِّفْ عنك أيضاً، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: يا موسى، قد والله استحييتُ من ربي مما أختَلِفُ، قال: فاهبط بسم الله، فاستيقَظَ وهو في المسجد الحرام» . هذا لفظ حديث البخاري.

وأدرج مسلم حديث شريك عن أنس الموقوف عليه على حديث ثابت البُنَاني المسند، وذكر من أول حديث شريك طرفاً، ثم قال: «وساق الحديث نحو حديث ثابت» ، قال مسلم: «وقدم [فيه شيئاً] وأخَّر، وزاد ونقص، وليس في حديث ثابت من هذه الألفاظ إلا ما نورده على نَصِّه» .

أخرجه مسلم وحده من حديث حماد بن سَلَمَة عن ثابت، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «أُتيتُ بالبراق - وهو دابَّةٌ أبيضُ طويل، فوق الحمار ودون البغل - يضع حافِرَه عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيتُ بيتَ المقدس، قال: فربطته بالحَلْقةِ التي يَرْبِطُ بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد، فصلَّيت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من الخمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفِطرة، قال: ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: مَن أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحَّبَ بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، ⦗٣٠١⦘ قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، فَفُتحَ لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم، ويحيى بن زَكريا، فَرَحبَا [بي] ودَعَوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف، إذا هو قد أُعْطِيَ شَطر الحسن، قال: فرحّب بي، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل: {ورفعناه مكاناً عليّاً} [مريم: ٥٧] ، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَنْ مَعك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: مَن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى عليه السلام، فرحّب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ⦗٣٠٢⦘ ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مُسنِداً ظهره إلى البيت المعمور، فإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إِليه، ثم ذهب بي إلى سِدرة المنتهى، فإذا أوراقُها كآذان الفِيَلة، وإذا ثَمَرُها كالقلال، قال: فلما غَشِيها من أمر الله - عز وجل - ما غَشِيَ تَغيَرتْ، فما أحدٌ من خلق الله تعالى يستطيع أن يَنْعَتها من حسنها، فأوحى [الله] إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاةً في كلِّ يوم وليلة، فنزلتُ إلى موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربِّك، فاسأله التخفيف، فإن أُمَّتك لا تطيق ذلك، فإني قد بَلَوْتُ بني إسرائيل وخَبَرْتُهُمْ، قال: فرجعتُ إلى ربي، فقلت: يا ربِّ، خَفِّف عن أمتي، فحطّ عني خمساً، فرجعت إلى موسى، فقلت: حَطَّ عني خَمْساً، فقال: إن أُمَّتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربِّك، فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربِّي تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام، حتى قال: يا محمد، إنَّهن خمس صلوات كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاةً، ومَنْ هَمَّ بحسنةٍ فلم يعملْها كُتِبَتْ له حسنة، فإن عَمِلَها كُتِبَتْ له عشراً، ومَن هَمَّ بسيئةٍ ولم يعملْها لم تكتبْ شيئاً، فإن عملها كُتِبَتْ سيئةً واحدة، قال: فنزلت فانتهيت إلى ⦗٣٠٣⦘ موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: قد رجعت إلى ربي حتى استحييتُ منه» .

وأخرج مسلم طرفاً منه، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «أُتيتُ، فانطلقوا بي إلى زمزم، فَشُرِح عن صدري، ثم غُسِلَ بماء زمزم، ثم أنزلت» ، لم يزد مسلم على هذا من هذه الرواية. وقد أتمها أبو بكر البرقاني في كتابه قال: «ثم أُنزِلَتْ طَسْتٌ من ذهب ممتلئة إيماناً وحكمة، فَحُشِي بها صدري، ثم عرج بي الملك إلى السماء الدنيا ... » وذكر الحديث على سياق ما سبق من الروايات ونحوها.

وأخرجه النسائي من رواية سعيد بن عبد العزيز [عن يزيد بن أبي مالك] عن أنس نحو هذا الحديث، إلا أن حديثه أخصر وأقل لفظاً، والمعنى واحد، وقال في آخرها: «فرجعت إلى ربي فسألته التخفيف، فقال: إني يوم خلقت السماوات والأرض فَرْضت عليك وعلى أُمَّتك خمسين صلاة، فخمسٌ بخمسين، فقم بها أنت وأُمَّتك، فَعَرَفْتُ أنَّها من الله تبارك وتعالى صِرَّى - يقول: حَتْمٌ - فلم أرجع» .

وفي رواية الترمذي طرف مختصر: «أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بالبراق ليلةَ أُسري به مُلْجَماً مُسْرَجاً، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: أبمُحَمَّدٍ ⦗٣٠٤⦘ تفعل هكذا؟ ما ركبك أحد أكرم على الله منه، فارْفَضَّ عرقاً» (٣) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(اللَّبَّة) : موضع وسط القلادة من صدر الإنسان.

(اللَّغاديد) : اللحمات التي بين الحنك وصفحة العنق، واحدها: لُغْدود.

(يَطَّردان) أي: يجريان.

(عنصرهما) العنصر: الأصل الذي يكون منه الشيء.

(مِسك أَذْفَر) : شديد الرائحة.

(التدَلِّي) : النزول من العلو، و «قابُ القوس» : قَدْرُه، والمراد في الحديث: جبريل، وأنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في هذه الحالة بهذا القدر.

(المراودَة) : المراجعة، وتكرار القول لمن تريد منه قولاً أو فعلاً، وفي إحدى الروايات: «داورت» فإن كانت كذلك، فالمراد به: الإطافة بالشيء والإلمام به، وهو قريب من الأول.

(صِرَّى) يقال في اليمين: هي مني صِرَّى - بوزن معزى (٤) أي: عزيمة وجِدٌّ، وهي مشتقة من: أصررت على الشيء - إذا دمت ولزمته. ⦗٣٠٥⦘

(فارفضَّ عرقاً) أي: جرى عرقُه وسال.


(١) قال النووي: في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء، من جملتها أنه قال: " قبل أن يوحى إليه " وهو غلط لم يوافق عليه، والإجماع على أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء، وفي سياق الحديث جواب جبريل على سؤال خزنة السماوات " نعم بعث إليه "، وقال ابن كثير في التفسير: إن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في الحديث وساء حفظه ولم يضبطه.
(٢) وهذه الجملة مما يدل على اضطراب هذه الرواية.
(٣) رواه البخاري ١٣ / ٣٩٩ - ٤٠٦ في التوحيد، باب ما جاء في {وكلم الله موسى تكليما} ، وفي الأنبياء، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم رقم (١٦٢) في الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، والنسائي ١ / ٢٢١ في الصلاة، باب فرض الصلاة، والترمذي رقم (٣١٣٠) في التفسير، باب ومن سورة بني إسرائيل.
(٤) في المطبوع: شعرى.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه أحمد (٣/١٤٨و١٥٣) قال: حدثنا حسن بن موسى. وفي (٣/٢٨٦) قال: حدثنا عفان. وعبد بن حميد. (١٢١٠) قال: حدثني سليمان بن حرب. ومسلم (١/٩٩) قال: حدثنا شيبان بن فروخ. والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف ٣٨٥) عن إسحاق بن إبراهيم، عن عفان.
أربعتهم - حسن، وعفان، وسليمان، وشيبان - عن حماد بن سليمة، عن ثابت، فذكره.
* رواية حسن عند أحمد (٣/١٥٣) وسليمان، وعفان عند النسائي مختصرة على البيت المعمور.
* رواية عفان عند أحمد (٣/٢٨٦) مختصرة على حسن يوسف عليه السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>